الأحد، 14 فبراير 2016



رجل بنصف عقل
            
         قصة قصيرة
         بقلم.. فوزى اسماعيل 
         وحــده، أختـار طريـق الزراعـة، وكان أبـوه يزجه إلى طريـق التعليــم
         منذ صغره، لكنه كان رافضا رفضا تاما بعدم الذهاب إلى المدرسة، أنه
         لا يريد طريق التعليم، عمـل أبيـه معه المستحيل، تركه على هـواه بعـد
         عنـاء طويل من المجادلة معه، وجــد فيه ميوله للزراعـة أكـثر، خلـص
          ذمته أمام الله، فكان يريد أن يذهب ولده على المدرسة مثـل أقرانه التي
         في سنه، حتى لا يعيره أحد بجهله عند كبره.
         مات أبيه وتركه في كنف أمه ترعاه ، وتقوم على تربيته، كما كان يفعل
         أبيه، مرت الأيام والسنون وكبر الصبى، كان يدعى حمدان ، وحيد أبيه
         وأمه ، كان عند بزوغ الفجـر يركـب دابته ويصطحب من خلفـه ماشيته
          ذاهبــا إلى أرضه لا يعـود منهـا إلا عنـد الغـروب، وكأنه أكـتسب منهـا
          الخبرة الكافية لزراعة جميع المحاصيل المختلفة.
           فـقـد ترك له أبيه ثلاث أفـدنة من خـيرة القـرية، تحــظى بإهتمـام بالـغ
          منه، أعطته  محصول وفـــير لما أخـذت منه من جهـد وعرق، ونسـى
          حكاية التعليم هـذه نهائيا، ولا يلتفت نحوها ولــو برُمقة عــين، الأرض
          هى الأســـاس وهى أهــم من التعليم، بعــد نهاية كل عام يحصد الزرع
           ويبيعه، ويحصــد المــال ويزيد، كان محصول الطماطـــم الذي زرعه
           يتلهف عليه التجار للحصول عليه،عرف قيمة الأرض،أعطته الأرض
           أكثر من المتوقع، ففرح وأبتهج لما أنعم الله عليه من نعم .
           راح يتأمل صورة أبيه المعلقة على أحــد الجـدران في غرفة الضيافة،
           قال لنفسه :
           - لو كنت قد اخترت طريق التعليم لا كنت في هذه المكانة.
           سمعته أمه وهى تضع على المنضدة كوب الشاى، فقالت له بعقلانية :
           - التعليم سلاح لا غنى عنه يا حمدان.
           جلــس يحتسى الشـاى وهــو يرمق أمه بطـرف عينيه، وغلب تفكيره
           حديث أمه، فلا يسمعها،ولكنه لا يسمع إلا وسـاوس نفسه، وكأنه يرى
           التعليم شيئا قبيحا، وإضاعة للوقت الثمين الذي يصنع فيه المعجزات.
           قامت أمه من أمامه بعد مدة قضتها معه في الحديث عن عطاء الخي،
           وتركته نائما فقـد غفـت عيناه للنـوم ليستريح قليلا بعد العصر،  أمامه
           أعمال كثيرة لابد وأن ينتهى منها اليوم،خصوصا بعد اتفاقه مع التاجر
           الذي يشترى محصول الطماطم.
           جــاء التاجر إلى بيته، وهو كان من أهل القرية، ظل يشترى قراريط
           صغيرة حتى كبر ولعبت معه العملية ، فمنذ سنوات عديدة وهو يحجز
           محصول الطماطم من حمدان، وكأنه كان يحتكره ، يوافق على الثمن
           الذي يتفــق عليه، سمع التاجــر بأن حمدان ينــوى بيع هذه الأرض ،
           ويكتفى بفدانين فقــط حتى يقــوم بإصلاح بيته وبنـاء عــش الزوجية،
           كانت هذه النية من حمدان منذ أسابيع، وبالفعل أتفق معه جاره سعفان
          على شرائها،لأن الجار أولى بالشفعة،حرك هذا الاتفاق نشوة وغريزة
          التاجر،لأنه لم يجد استجابة من حمدان الذي كلمه عدة مرات عن بيعها
           له، كان يعرف أن الأرض قوية وعفية ، تعطى إنتاج وفـير لصاحبها،
           وغير ذلك موقعهـا الجغرافى بالنسبة للقرية عالى المكـانة، المتر بعـد
           سنوات سيزيد تمنه الضعف، ومن يدرى يقترب منه الكردون الذي بدأ
           يزحف نحوها.
           جلــس التاجر يفكر في محاسن تلك الأرض، وما تكون عليه بعد ذلك،
           أراد أن يعمل كل الحيـل في الاستيلاء عليها، ففكـرفي حيـلة شيطانية،
           عـزم على تنفيذها ، جاءته أم حمدان بالشــاى فاصطنع حركة أسكبـت
           أكواب الشاى على المقعد وهو يوقع على عقد شراء المحصول، نهض
           من مكانه وذهب إلى بيته لإحضار غيره، كان قد جهزعقد بيع وشراء
           أخـر، أراد أن يضع حمدان أمام الأمر الواقع،لأنه كان يعرف أنه أمى
           لا يحظى بقدر من التعليم، فلا يكتشف ذلك.
           جاء ومعه العقدان ووضعهما فوق بعــض،طلــب من حمدان أن يوقـع
           بخاتمه على العقدين ، وكان قـد أصاب يد حمدان الإرتعاشة ، فتعجب
           منها لأنها أول مرة تحدث له،شعربأن في الأمر شئ، حــس بحشرجة
           قـد سدت حلقه.
           سمع طرق الباب، دب في نفسـه الحيوية مـرة أخـرى، وجـد أبن خـاله
           عزت داخلا عليهم،جلس على مقعد أمامهم،وكان عزت قد حصل على
           شهادة عُليا من الجامعة في البندر ورجع إلى القرية،وهاهو يتردد على
           حمدان يوما بعــد يوم، كان التاجر يداعـب مسبحته، وهو يرمق عزت
           بطرف عيناه، وكأن لســان حاله يقــول، لقــد أفســـد عليــك مخططك،
           وانصب على وجنتيه العرق بغزارة.
           هَّــم حمدان بختم العقد، فكان التاجر يسرعه، ولكنه توقف بعد ما طلب
           عزت منه مراجعة العقد، ويراه من الناحية القانونية، لأن هــذا مجاله،
            فكانت شهادته في المحماة، ويريد أن يمارس مهنته على حمدان، ظل
            يقــرأ العقد والتاجر يرمقه، والعرق ما زال ينصب على وجهه، حتى
            مسبحته سقطت من يده على الأرض من ارتعاشة يده.
            نهــض عزت صارخا يوضح لعبة التــاجر الشيطانية، لقد كشف عن
            ألاعيبه، جاءت أم حمدان على الضجيج بين عزت والتاجر، وقالت :
            - ماذا حدث.. ؟
            وضح عزت لهــا بأن حمدان كان ســوف يكون ضحية التـاجر عديم
            الضمير، وما أن سـمع التاجر عزت وهو يفضح أمره خطف العقدان
            وأسرع للخارج دون أن يلحق به أحد.
            وعند هذه اللحظة علـم حمدان أنه كان فريسة لشخص عديم الضمير،
            وعــرف أن التعليم نــور، وهو أساس الإنسان في الحياة الدنيا كالماء
            والهواء، وعزم على التعليم مهما كلفه من مشقة، ولا يتعامل مع مثـل
            هـذا التـاجر الجشـــع الــذي كــان سيستولى على أرضه دون علمــه
            مستغلا جهله، حتى قالت أمه له : 
            - يا ولدى من لم يتعلم فهو رجل بنصف عقل.
            حزا هذا التشبيه في نفسه، حتى صمم على الالتحاق بالتعليم أولا،وقد
            مـر خمس سنوات وهو يعكف على القراءة والكتابة بعد إن إلتحق في
            فصول محـو الأمية وفصول اسم ليلى كما كان في السـابق، ثم إلتحق
            أخـيرا بالتعليم الإبتدائى من منازلهم، فهــو نابغة في تلقى العــلم حتى
            وصل إلى قدر عالى من التعليم يحميه من غدر الآخرين.

ليست هناك تعليقات:

مقال بقلم/ فوزى اسماعيل

                                                      تحية لرجال كفر الشيخ مفتاح لسعيهم فى عمل الخير اقر وأعترف بأن رجال كفر الشيخ مفتاح...