الوهن
عند الفجر نهض الشيخ يتكأ على عصاه حتى وصل إلى صنبورالمياه
ليتوضأ،وكانت يداه ترتعشان عندما
فتحه، بعد صعوبة كبيرة استـطاع
أن ينتهى من الوضوء،اتكــأ على عصاه
حتى وصــل إلى مصــلاه في
غرفته، فصلى وهو جالسا على مقعد،
وانتهى منها،وكان يمكـث بعض
الوقت للدعاء،فقد دعا لولده الذي
يعمل في إحدى الشركات في القاهرة
منذ شهور،لم يعد يقدرعلى الحركة، منذ
سنوات قلائل،وبعد أن بلغ سن
الستين من عمره،أصابه المرض الرعاش،
حتى لازمه في حياته، كان
يعيـش وحده في المنزل منذ وفـاة
زوجته التي كانت تشاركه لي الحلوة
والمرة، وكانت تقـوم على خدمته،فبعد
وفاتها أعتمد على نفسه حتى أن
وصل إلى هــذه الدرجة، صعبت عليه
حيــاته وبدت مستحيلة من تقـدم
العمر به، يريد عودة ولده الوحيد
ليساعده على عناء المعيشة، دعــا له
بالعـودة سالما معافى،وكأن القدر يلعب دوره،والسماء
تستجيب لدعائه،
بعـد قليــل سـمع طرق الباب، قـام
متكأً على عصاه التي كانت تساعده
على التنقل،وصـل إلى البـاب وأستطـاع
أن يفتحـه، وجـد أبنـه ضاحكا
في وجهـه ، أحتضنه بحــرارة، بقى
ولــده على صــدر أبيـه، لأنه كان
لا ينوى أن يتركه وحيدا إلا للشديد
القوى ، لاحتياجه للمال، وعده ولده
بتحقيق كل ما حرم منه ، قبل يده
طالبا منه أن يسامحه ربت على كتفه
بلطـف ، ودعـا له بأن يرضيه الله ،
وقـد اسـتطاع أن يزيـل عنـه الهـم
والكرب.
ذهب الشيخ الوقور إلى مضجعه لكى لا
يرهـق ولده قاسا عناء السفر،
وبعـد ما استراح من سـفره ، طلـب منه
سـرعة الزواج كى يحضر له
زوجه تعيل المنزل وتقـوم على خدمته ،
فكـر قليـلا ، وكأن طلـب أبيه
أمـرا لا بد من تنفيذه ، فظل يبحث عن
زوجة له تكـون صالحة ، وقبل
أن يفكر فى إحدى بنات القرية، أمسك
أبيه معصمه وهو يوعظه قائلا:
- يابنى .. إن متاع الدنيا زوجة
صالحة.
- يابنى .. خذ من أحبتك ولا تأخذ من
أحببتها.
كانت فراسة الشيخ فى محلها، لأنه يعلم من
أمور الدنيا أكثر منه ، فهو
يرى ما لا يرى ولـده، وعليه أن يدلـه على
الطريق الصحيح، عليه أن
يوعظـه لكى لا يقـع فى الخطيئة، مهمـا دارت به الدنيـا فيـظل له ولده
الصغـير الذى يريـد الاطمئنان عليه
قبـل أن توافيه المنية، حتـى يضع
قدمه على الطريق الصحيح، وكان الشيخ
يوجهـه إلى الطريـق القويـم
فى اختيار الزوجة الصالحة،لأن البنت
التى تتربى على تقاليد وعادات
حميدة تريحه طول العمر، ومن خلال حياته
التى طالت سبعـون عاما
رأى فيها الصالح من الطالح.
كانت وصية أبيه قاسية عليه، ولكـن أنارت
له طريق اختيـار الزوجة،
فعمل بوصية أبيه، حتى ذهب دون تردد
إلى شـيخ عجوز فى أطراف
البلدة، يعرفـه ويعـرف أبنته البالغـة
من العمر ثمانى عشـر عاما، فهـو
يعرفهم منذ سنوات، كان يتمنى أن
يراها وها قد حانت اللحظة، قدم له
نفسه وحكى له عن حياته التى بدأها
بشقـاء، كان الشـيخ يعرف إجتهاد
الشباب وما يعنـوه مثلما يعـرف
أبيـه، فتفهـم الأمـور حتى وافـق على
زواجه من أبنته، يتقاسمان
الحياة بحلوها ومرها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق