رحلة
إلى النفس البشرية (4)
الغرور
الغرور فجور.
هذه مقولة حقيقية قيلت فى محلها، لأنها آفة من آفات
الزمن قد أصابت أوناس كثيرة، وهى أيضا من آفات الخبث والرزيلة للإنسان، والإنسان
المغرور قد يؤدى به إلى عالم التفاخر والتباهى بنفسه، فإذا أصابته هذه الآفة
المنبوذة من المجتمع جعلته إنسان سوى مُضار لأهله وبيئته.
والغرور كلمة جاءت من غر غرا بالإنسان، فالغر هو
المكيدة، فالغرور هو الذى يبدى بزينته لمن حوله، ويبدى بمحاسن نفسه متعاظما بها، سواء
بماله أو بعمله أو بعلمة، أو جماله، ففى المال إذا أغتر الإنسان بماله هلكه الله،
وجعل ماله حسرة عليه، وأبدله الله فقرا بعد غنى وذلا بعد عزا، فمن افتخر بنفسه فهو
إنسان يتطلع بأن يفرض نفسه على الآخرين بالقيل والقال، ومن الممكن أن يساعده أخرون
ممن يأكلون منه مالا أو يطعموا من طعامة، يريد بذلك أن يمدحه الآخرين بما صنع.
فكما يقولون أطعم الفم تستحى العين، وبذا يكون بذلك قد
سخر له أشخاصا يحركهم على هواه، فيقولون ما يقول.
وعندما نفتش فى النفس البشرية، نجد آفة الغرور هذه تسيطر
على كيانه، إذ أن الإنسان المغرور هو من يعتلى بنفسه على أخوانه كأنما يعتلى عرش
حكم، ويقول أنا كذا وكذا وفعلت كذا وكذا، وإن كان قد صنع حقا، فيريد أن يجمع من
حوله رفاقه الذين يسيرون على دربه.
والغرور آفة سيئة لا تنبغى أن تكون فى إنسان ذو قيمة
يعرف حق المجتمع عليه، إنسان له ثقله فى المجتمع، لأنه فاجأة يرتد إلى الحضيض،
فالله عز وجل يعز من يشاء ويذل من يشاء، كما أغتر موسى عليه السلام بعلمه، رغم أنه
عليه السلام أنه نبى، لكن الله تعالى دله على من هو أعلم به، ومن عند علم أكثر
منه، وهو سيدنا الخضر عليه السلام، رغم أن موسى نبى والخضر ولى فالولى يعلم النبى،
وهذه حكمة من الله عز وجل، فالله أعطى للولى علما أكثر من النبى، وهذا ما جاءت به
الآيات الكريمات فى صورة الكهف، فى قصة سيدنا موسى عليه السلام مع الخضر.
وأيضا كما قلنا فى خصلة الطمع عن قارون عندما أغتر بنفسه
فلبس احسن ما عنده من ثياب وتزين وخرج على الناس من أهله متفاخرا بثروته، فالذين
تمنوا مكانته قد رجعوا إلى صوابهم عندما خسف الله به وبداره الأرض، والذين يعرفون
أن الأخرة حق وجدوا أن الدنيا فانية.
فالعز والذل بيد الله، والله يقول فى كتابه العزيز: لا
تمش فى الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا.
هذه الآية الكريمة قد قالت خلاصة الغرور بالنفس، ومهما كان
الإنسان بقدرته وجبروته سيعود إلى ما كان إن شاء الله أن يذله ويبدله فقرا بعد
عزا، فالغرور كائن شيطانى فى قلب الإنسان الذى تسيطر عليه هذه الغريزة الشيطانية،
فمن يغتر بنفسه مهما كان، فى ماله، فى ملبسه، فى عمله، فى أى شئ عليه أن يتذكر
قدرة الله عليه.
وكلما كان الإنسان مغترا بنفسه، فهو منبوذا من الطبيعة
التى تحاطه، أيضا من المحيطين به أهله وعشيرته، لأن الغرور تؤدى به إلى الفجور،
والفجور يؤدى إلى الجبروت، وإن كانت خصلة الجبروت فى الإنسان، كان غضب الله عليه
أشد، وغضب الله لا يستهان به فكم من مغرور حطت به الدنيا على قاع المجتمع، كما كان
فرعون وهامان اللذان أغتروا بأنفسهم، وقال فرعون لمن حوله أنا ربكم الأعلى، فأغرقه
الله فى اليم هو وجنوده، ولم يستطع فرعون أن ينجوا بنفسه، حتى كاد أن يغرق، لكن
الله نجاة ببدنه لكى يكون لمن حوله آية، فعرور فرعون ليس غرورا عاديا، لكن كان
غرورا وجحودا شرسا عندما ادعى الآلوهية، فقتل واعتصب وقتل الأطفال وسرق ونهب وكذب
موسى عليه السلام، فأعطاه الله تسع آيات قبل أن يغرقه فى اليم، وهم الضفادع والقُمل
والبرص وما إلى ذلك حتى التسع آيات.
أيضا النمرود الذى أغتر بنفسه هو أيضا، حتى أصيب بزبابة
قد سكنت رأسه ولا تهدأ إلا بضرب القبقاب على رأسه.
وكان النمرود هو من قال للأرض يا أرض أتهدى ما عليك أدى.
هذا الصعلوك الذى لا يعلم عظمة الله تعالى، أن الله قادر
على هلاكه فى لحظة، وأن الله له بالمرصاد، له ولمن كذب على الله.
فكان جزاء المغتر جهنم، يصلاهاه مزموما مدحورا، فآفة
الغرور هى آفة تبخس بالإنسان على الذل والهوان، فعلينا جميعا بنى البشر أن ندرك
هذه الخطورة الجمة، وأن نسرع لنتجنبها لأن الغرور من الشيطان، والشيطان يريد أن
ننغمس فيها لأن هذه الآفة من الكبائر، فالله يريد لنا أن نتجنبها ويريد لنا خيرا،
منتهى عن الغرور، تنعم بما أنعم الله عليك بفرح وسرور.
فنعم المولى ونعم النصير.