الشهيد المظفر
ها أنا سأترك ما بيدى لأجاهد من أجل أولادى فلذة كبدى، ومن أجل أسرتى وأقاربى وعشيرتى، ليعود الأمن والآمان إليهم، يالها من حرب شنعاء ستبدأ، متوقع الدمار الذى سيحل علينا من هؤلاء الغاشمين، بآلياتهم التى ستكون أشد فتكاً، سأجاهد من أجل البقاء، لا ننسى ولن ننسى بأن الله ينصر المؤمنين، فنحن نواجه عدو غاشم، لا يفرق بين صغير ولا كبير، فهم بلا قلب ولا رحمة، علىَّ الآن أن أترك أولادى فى هذا البيت المعرض للقصف، وأنا على يقين بأن الله لا يتركهم بعنايته، فليس لنا غيره، أستودعكم الله.
لقد أحضرت سلاحى من تحت وسادتى، وقمت بتعميره، رغم أنه سلاح صغير وهزيل، أمام أسلحة العدو الفتاكة، لكنى أطمع فى نصر من الله مبين، ها قد بدأت الحرب بالفعل على قطاعى الحزين الذى يعانى مصاعب الحياة، ضوى الانفجار تضوى فى كل مكان، منذ أن عرفنا نية العدو بالاجتياح، أنشأت نفقاً صغيراً تحت منزلنا، لكى يحتموا فيه أولادى وأسرتى من هول القصف، والآن علىَّ أن أطمئن عليهم فيه قبل أن أفارقهم، لكى ألحق بالمجاهدين، يا لها من حرب لا نعلم نهايتها.
جاءنى أقاربى وهم يحملون السلاح، لنشد رحالنا إلى الجبهة، وقد سلحت نفسى بما فاض لى من قنابل وذخائر، وربط على قلبى رباط القهر بعدما نظرت إلى أولادى النظرة الأخيرة، لأننى على يقين باننا لا نتقبل بعد اليوم، فإما أكون أنا شهيداً، أو أولادى سكنوا تحت الأنقاض، جراء القصف الجحود الذى يتناصر فى كل مكان، فى أرجاء غزة الوطن الذى نتمسك به حتى أخر قطرة من دمائنا، والذى يتخلف من ورائه آلاف الشهداء الأبرياء، ودمار للأسكنه الآمنة فى سربها، وأيضاً الأخضر واليابس الذى سيبيد، لعلنا نكون المدينة الوحيدة التى تسوى بالأرض.
ذهبت إلى أماكن القصف، وصوبت فوهة بندقيتى نحو العدو، سقط منهم قتلى، بالرصاص الهزيل الذى معى، والذى أعتقدت بأنه لا يصل إلى أجسادهم من ضآلتها، مقارنة بالدبابات وصواريخ المقاتلات الجوية، لكنى أردد فى نفسى، الله أكبر فشتدت عزيمة، عند كل رمى قذيفة، فالله تعالى قال فى كتابه العزيز : وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى. أنتهى اليوم الأول بحصيلة عشرة قتلى من العدو، حتى ظفرت بالنصر فى نفسى، وانسحبت القوات الغاشمة من حيى الذى يرقد فيه أولادى.
وجاء اليوم التالى، وعندما هممت بملاحقة العدو، إذ أرى قذيفة مدوية تجتاح جزءاً من منطقتى، علمت بأن الحرب توسعت أكثر ضروة، وتوسع نطاقها حتى أشتدت حدة القتال هنا وهناك، وأنا لا زلت أقاتل فى صفوف المتطوعين، حتى مرت عدة أيام وأخذ العدو هُدنة، فظننت أن الحرب توقفت، فذهبت إلى أولادى لأطمئن عليهم وأواسيهم، وأنا فى غمرة القُبلات والنشوىّ وهم بين أحضانى، إذ أفاجئ بقذيفة مدوية تنسف منزلنا، لننتقل جميعنا من دار الدنيا إلى دار الآخرة، شهداء عند الله يرزقون.