الاثنين، 9 سبتمبر 2024

قصة قصيرة / بقلم / فوزى اسماعيل

 

سلة مهملات

ترقيت مجيئه ليخطبها، كان عبر الهاتف قد حدثها عن ميعاد وصوله، أنتظرته فى المطار فى الساعة المحددة لوصول الطائرة إلى أرض الوطن من طوكيو، بعد ست سنوات قضاها هناك، الآن يتحدث الإنجليزية بطلاقة، هكذا طمئنت الفتاة فى نفسها، فهو قريب منها قرابة ثالثة، هو من العائلة التى منها، وكانت تعرفه وهو يدرس فى المدارس المصرية، وبعد أن تخرج منها وحصل على الشهادة العليا ذهب إلى طوكيو للعمل فيها، فمنذ ست أعوام وكانت الصدفة حليفة له، عندما وجد إعلانا فى أحدى الصحف للسفر إلى طوكيو كمنحه دراسية، وقدم فيها ليلتحق بها، بجانب ذلك عمل هناك عمل أضافى لكى يوفر له مبلغا من المال ليعينه على الزواج فى مصر عندما يعود، وبالفعل جمع مبلغا لا بأس به من المال، أودعه فى بنك من بنوك القاهرة، ليكون رصيدا له، وعاد إلى مصر أخيرا ليلتقى بمحبوبته التى تنتظره من ست أعوام، رجع إلى حلمه الذى ينتظره.

 فرحت الفتاة بعودته، وكانت تحلم بغرفة تجمعهما بعد كل هذه السنوات، عاد وقد تغيرت حالته من بؤس إلى رفاهية، الأموال التى جمعها فى الغربة قد غيرته، حتى كاد أن يكون شخصا آخر غير الذى تعرفه، تعجبت الفتاة لما رأته عليه، حتى ظنت بأنه تبدل بشخص آخر.

تحدث كثيرا عن حياة البشر هناك، ونسى أصله وفصله وحياته التى يعيشها فى القرية من قبل، وبدت النعمة قد ظهرت عليه، وكأن كل من حوله جهلاء، تحدث عن الحضارة التى غيرت نواميس البشر فى تلك المدينة الساحرة.

حاولت الفتاة أن تعيده إلى أصله، تحدثه عن أيام الطفولة والصبا، ولكن رفض أن يتذكرها أو يذكره بها أحد، تلك الأيام أعتبرها أيام الحرمان والبؤس فى حياته، ولا ينبغى أن يفكر فيها بعد ذلك، حاولت بكل الطرق أن تواجه فكره المشتت المشمول بالحضارة الغربية هذه، ولسانه الذى لا يخلو بالتشدق بها.

كان يوعدها بأنه سينقلها إلى عالم آخر، وأنه سيطور كل شئ فى الحى كما يراه فى طوكيو، بدت الفتاة تختنق من حديثة عن طوكيو وبلاد الغرب، وما يحدث فيها، حاولت أيضا أن تجاهد فى تغيره وعاهدت نفسها على تحقيق هدفها.

وقف مع شباب الحى يحكى لهم عما يدور فى طوكيو، حتى جعلهم يحلمون بالسفر إليها، وكأن طوكيو هذه لا مثيل لها على الأرض، وكانت الفتاة كلما كانوا يسألون عنه، من حديثه عن نفسه وتباهيه تخجل وتضحك فى نفسها سخرية منه، كانت تسمع العجب العجاب قصصه وغرمياته بالأماكن الساحرة هناك، حصوصا من النساء الذين يتشدقون بمعرفة أخباره من أزواجهم.

بدأت الفتاة تحس بنوع من الإنتكاسة والخزى تجاهه، فبدأت تبتعد عنه لأيام دون أن تراه، وحتى عندما يقدم لها هدية يظل ينوء عليها، وكأن هذه الهدية منه لها، وبدأ يمن عليها عندما يعطيها أى شئ، وهى كانت ترفضها، ولكن بعد إلحاح منه تقبلها على مضض وهذا كان يحز فى نفسها.

عرف أهل الحى جميعهم مغامراته فى طوكيو، والفتاة مغلوبة على أمرها، فهى مرتبطة معه على كلمة منذ ست أعوام كاملة، فلا تريد أن تهدر كل هذه السنين فى لحظة غضب، كانت تقول لنفسها غدا سيهديه الله ويعود إلى صوابه.

لكنه كان يتمادى فى إظهار عظمته، وما فعله فى غربته، أراد أن يتعجل بالزواج، لكن الفتاة لم يعد عندها رغبه فيه، فقبل أن يرتبطا لابد من التفكير العميق، فهى مسألة حياة للأبد، لابد من أخذ القرار الصحيح، فهذا قرار مصيرى لا رجعة فيه، لكى لا تندم بعد ذلك.

أمست ليلتها فى أرق تفكر كيف ستتخذ القرار، تذكرت حالها من أيام الصبا، قبل أن يسافر إلى طوكيو، وبعد وصوله، وما قاله عن نفسه، وكأن ذلك صار كالنار فى الهشيم، حتى لآنه يمدح فى نفسه، حتى عرف الدانى والغانى كل كبيرة وصغيرة عنه، والجهاد المنشود الذى أوصله لذلك.

تذكرت الألم الذى ألم بها حين رجع، وطريقته المزرية التى يتحدث بها كل لحظة وأخرى، لابد من أخذ قرار مصيرى يحدد سعادتها أو تعاستها، أنها تفكر الآن ملياً فى مصيرها الذى سيحدد أيضا الطريق التى ستسلقه، إن كان مستقيما أو أعوجاجا.

قامت وتوضأت لتصلى صلاة الأستخارة، هذه الصلاة هى التى تحدد مصيره، وتهدى نفسها، قامت فى منتصف الليل وصلت صلاة الأستخارة كما ينبغى، ونامت ليلتها فى هدوء وسكينة، حلمت بأنها تسلك طريق ملئ بالأشواك، طريق غير ممهد به رعب وزعابيب وزمهرير،أقتنعت بما رأته فى الحلم، ثم قصت الحلم على شيخ قريب منها، ففسره لهان وبين طريقها التى ستسلكه مع هذا الشاب، لأنه مريض يداء العظمة، لا يكل ولا يمل من الحديث عن أنجازاته فى طوكيو، أنا مسألة تدعوا إلى الشك والخوف من المستقبل معه، خصوصا إذا تم هذا الإرتباط.

بدأت تبتعد عنه شيئا فشيئا، وبدأ هو أيضا يجلس مع مجموعات من أصحابه يحدثهم عن نفسه فى بلاد الغربة، أشاعت الفتاة أنها تخلصت من ارتباطة نهائيا، حتى دق بابها خطاب كثيرون، لكنها تمهلت قليلا حتى توافق على أحدهم، حاول أن يحدثها عن مستقبلهم المحتوم وما ستصير فيه يعد ما ينفق عليها أمولا طائلة ممن جمعهم فى الغربة، ولكن كانت حنكتها أقوى منه ففكرت بأنها لا ترضخ بأغوائه عن المستقبل الباهر الذى ينتظرهما، ففى أيام قلائل ستنفذ أموله خصوصا بعد البذخ الذى أنتابه فى الإنفاق على أصدقائه فى المقاهى والسهرات المشبوهة التى فاحة رئحاتها، أشمئزت مما يفعله حتى دفعها طريقته بأن تتخلص منه نهائيا وتوافق على أحد الخطاب الذين يدقون بابها، حتى آتاها شاب ذو سيرة حسنة، كان ذو قيمة بعلمه وعزت نفسه، فرضت به، ثم تخلصت من ماضيها فى سلة مهملات، تنظر إلى خطيبها السابق وهو يتحطم ويسقط من نظر الجميع.

 

ليست هناك تعليقات:

مقال بقلم/ فوزى اسماعيل

                                                      تحية لرجال كفر الشيخ مفتاح لسعيهم فى عمل الخير اقر وأعترف بأن رجال كفر الشيخ مفتاح...