عيـــــدكم عيـــــدنا
أحتواهما بينهم، فى الحى الراقى، كانت ماريا تسكن وسط حى مسلمون،
وكانت هى الوحيدة وأبنتها نِعَم يسكنان بينهم، فأحسوا بالغربة، لا يستطيعون التحدث
مع أحد، لكونهم مسيحيون، ولا يوجد فى الحى كنيسة أو دير من الأديرة يؤدون الصلوات
الخاصة بهم فيها.
وجيرانها آمنة وزوجها عبد الله يبلغون من
العمر الخمسين عاماً، يبدو عليهما الطيبة والسماحة، لكبر سنهما ولحبهما فعل الخيرات.
بدت ماريا تيأس من الحياة، الحياة التى لا
طعم لها ولا رائحة، فهما يقطعان شوطاً طويلاً فى الوصول إلى أحد الأديرة لكى يؤدون
صلاواتهم فيها يوم الأحد من كل أسبوع، أو أنهم يحضرون مناسبة أو عيد لهم بين
أقرانهم.
أحسوا بالعزلة فى ذلك الحى الذى لا قريب لهم
فيه، ولا حتى صديق حميم يترددون عليه، ويساعدهم على تلاشى تلك العزلة، حتى فكروا
فى بيع منزلهم وترك الحى، لكى ينتقلوا إلى حى أخر يكون لهم فيه قريب من أهلهم أو
ذاويهم.
عرضوا البيت للبيع، وكتبوا على بابه لافته
للبيع ليشاهدها الجميع، وكان هذا قرارهم الأخير، إلا أن عبد الله وزوجته آمنة رأوا
مآساة ماريا وأبنتها، وكأنهم كانوا غافلين عنهما، تقربوا من ماريا التى كانت فى
بيتها قبل أن تتركه، وذهبوا إليهم فى زيارة، لم تصدق ماريا ولا أبنتها نفسهما،
فهذه أول مرة تطأ قدم إنسان منزلهم، فمنذ عدة سنوات مضت ولم يزورهم أحد، مسلم أو
مسيحى.
رحبوا بهما وقدموا لهما واجب الضيافة على أكمل
وجه، دار بينهم حديث فى التعارف، فكان عبد الله يعرف حق الجار، وعليهم حق فهم أول
الجار، والرسول صلى الله عليه وسلم وصى على سابع جار، فهذا حقهم على عبد الله
وزوجته.
رحبت مارية بهذه الصداقة الجديدة، وتوطدت
بينهما العلاقة جيداً بعد مرور بضعة أيام، فى نفس الوقت لم يتقدم أحد لشراء المنزل
المعلن عنه البيع، رغم عرضه للبيع منذ شهرين كاملين، وكأن ماريا تصبح فى حياة
أخرى، لم تقتنع بفكرة البيع، رغم ذهابها بعد أن تخلص منه إلى عالم آخر بجوار
أقربائها،، وأصدقائها المسيحين، وأنها تعيش معهم فى أمن وأمان، ولكن أعتقدت بأن
ستكون فى غربة لأنها بعيدة عنهم منذ زمن طويل وهى فى هذا الحى التى أحست من أهلها
بالأمن والأمان، وقفت محيرة، تبيع المنزل أو تبقى عليه، خصوصاً بعد ما وجدت
ضالتها، وجدت أصدقاء كانت تبحث عنهم من قبل، لا يعنيها أنهم مسلمون أو مسيحيون،
فالدين لله والوطن للجميع، أنها الآن وجدت الأصدقاء فهل بعد أنتقالها فى مكان آخر
ستجد ما وجدته من صديقاتها الجديدة التى تعرفت عليها، أم هناك عالم آخر، حتى ولو
على دينها، فى هذا المكان عاشت فيه سنوات وكانت بعيدة عن أهلها وأقاربها، رغم
مشقتها فى الوصول إلى الدير التى تقيم فيه صلواتها.
غيرت صديقتها الجديدة مسارها، بعد أن صممت
على الرحيل، فهى الآن بين أمرين، إما البقاء وإما الذهاب إلى عالم آخر، عالم جديد
لأنها بعيدة عن الأديرة، وجدت أمنة التى بادلتها الزيارات من لحظة التعارف، وكأن
ماريا صارت لها شقيقة حميمة كانت غائبة عنها فعادت بعد سنوات، وكأن أيضاً ماء
المحاياه رجعت لها فزهزهت الدنيا أمام عينيها مرة أخرى بعد يآس مزق قلبها، وبعد
عزلة دامت لسنوات جعلتها فى وحدة موحشة.
أخيرا أستقر بها الرآى بأنها تبقى ولا تغادر
منزلها، فتوطدت العلاقة بينها وبين آمنة، وصاروا عضواً واحداً يشد بعضه البعض، وبدأ
التعارف أيضاً على جيران جدد عدما رأوا آمنة تودها، فقد أجتمع نساء الحى لكى
يرحبوا بها صديقة جديدة، وهذا ما قوى عزيمتها وأصبحت واحدة منهم.
جاء عيد المسلمون، وتعاون الجميع على صناعة
الكعك، وطهى الأطعمة، وأجتمع أهل الحى على ذلك، فجذبوها النسوة لتعمل معهم، وقامت
من فوزرها لتساعدهم على ذلك، وندمجت معهم كأنها مسلمة وكأنما أيضا نست أنها قبطية،
ولكن التعاون الذى بينهم أنساها ذلك، فهمت بصناعة الكعك معهم يداً بيد، وكانت فرحة
عارمة للم الشمل المسلم مع المسيحى كأنهما جسداً واحدا.ً
وبدت ماريا وأبنتها نِعَم من أهل الحى، فلا
أحسوا بغربة أو أضطهاد من أحد.
بعد أسابيع جاء عيد ماريا، وهو عيد الغطس
الذى تحتفل به المسحين كل عام، كمثل عيد المسلمين، فقاموا أهل الحى جميعهم بتهنئة
ماريا وابنتها، لكنهم لا يعرفون طقوس عيدهم، حتى قامت ماريا بشرع الأحتفال به، حتى
شاركوها الإحتفال بحب وود وسكينة، كما شاركت ماريا عيد المسلمون، وبعد أن أدت
الصلوات الخاصة بها فى الدير الذى يبعد عنها عادت إلى الحى الذى أستقبلوها بالأفراح
والزينات.
وتبادلوا الأفراح وقامت أهل الحى بتهنئتها
وعاشوا سويا أحباب كأنهم أسرة واحدة.
ميت غزال فى
10/2/2023
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق