لغــة الــــــورد
فى الحديقة
الصغيرة، فى حوض واحد، تجتمع الزهور والفل والياسمين الورد بأشكاله، الوقت ربيع
والورود مزهزهة ومزدهرة، ترقص كرقص الطائر الرعاش الذى يتغذى على رحيقها،كل صباح،
من ندرة أوراقها وزهورها الفواحة، يقوم على خدمتها جناينى هزيل الجسم، يعيش على
جمع الورد بعد أن تنضج، ليبيعها فى الطرقات والمتنزهات للعشاق والمحبين، كان فى
الصباح الباكر من كل يوم، حيث سكون الندى فوق أوراق الورود، يقوم بقطفها وجمعها
لحين الذهاب بها إلى المتنزهات، فبنسقها فى سلة صغيرة معه.
سألت زهرة الفل
الوردة، تحدثها بلغتها :
- ما فائدتك..!!
فقالت الوردة
مبتسمة :
- أنا للعشاق
أزيد أشتياقهم.
- أنا للأماكن
الكريهه أغير رائحتها عطراً وجمالاً.
- أنا للمتخاصمين
سبباً فى إصتلاحهم.
قال الفل :
- أما بالغصن
أشواك يخافون العشاق قطفك.
ردت الوردة
بإستحياء :
- ليس لدى
إجابة.. فالإجابة عند الأشواك.
قال الشوك :
- أما أنا فلا
أكون بالغصن من تلقاء نفسى.. ففائدتى أحمى الورد من عبث الأطفال والجُناة ومخربى
الحدائق.
أقتنع الفل
بواظيفة الشوك الذى يملأ غُصن الورد.
رد مُقنع.. وعمل
مُنفع.
أما أنا عنقود الفل.. مادحا نفسه شعراً :
أنا للأحــــباب
ينـــــــــــــــادونى
ومن
القلب للقلب يهــــــدونى
عنقود الفل أنا
بماء الورد يرونى
والعاشــــــقين
والأحبة يغونى
فقالت الوردة فى
عجاله :
- كفى كفى كفى
عزيزى الفل.
كفى
مدحاً فى نفسك شعراً.
أنا الــــــــوردة
أجــــــــــدد الأمــــل
أنا للود القديم بعد الفـراق أشتمل
أنا الورد الأحمر
دلالة على الحـــب
لا أفــــرق قـلـــب أراد قلــــــب
وأنا للحبيب
والحبيبة أبعث لهم الأمل
فأروى بمائى وأطفئ ولعة القلب
ثم قال الورد الأصفر
:
وأنا الورد
الأصفر للـــغيرة
أجعـــــل المحـــبوبة أمــــــــيرة
من بعد فـــراق وحــــــيرة
وبين يد الأحبــــــاب أســــــيرة
وقالت الوردة
البنفسج :
وأنا يهدونى للجمال
الحــزين
عشـــــق ولهفــــــة المحـــــبين
يهــــــادونى
فـــى صمــــت
فأتكلــــــم بلسـان العاشــــــقين
وقال الور
أنا صفاء ونقاء القلـــــوب
وراحة لبال الحبيب للمحبوب
قال الفل :
- ألا أتبعك يا
ورده لكى أطلع على ما يُصنع بك العشاق.
قالت الوردة
:
- لك ما تريد يا
فل.
جاء الجناينى عند
بزوغ الفجر وجمع من الورد عنقوداً ومن الفل عنقوداً، ورص الورد فى سلة بعد ما تخلص
من الشوك، وصارت الغصون ملساء حتى لا تجرح يد العاشقين..
وظل الجناينى
ينادى للعشاق :
يا عشــــــاق
الـــــــورد يناديكـــــم
لغته بين الشـــــفـايف يشــــــــــديكم
يا غرام الشوق فى
القلب قد أشتعل
وبهداية
الورد حـــــــبكم يكتمـــل
يا عشــــــاق
الـــــــورد يناديكـــــم
جاءته إمرأة وأخذت
منه مجموعة كبيرة من الورد.
قالت الوردة وهى
تبكى :
- أخى الفل..
إننى حزينة.. أبكى ندماً على وجودى فى الحياة.
أستغرب الفل قائلاً
:
لماذا يا ورد حزين ..؟!
قال الورد :
- أخذتنى إمرأة
ترتدى ملابس سوداء.. حزينة.. ليس بالفرح قد مس قلبها.. يبدوا أنها تضعنى على
القبور.. يبدوا عزيزا لديها قد فارق الحياة.
قال الفل :
- القبور .. ما فائدتك على القبور..؟
قالت الوردة :
أنا على القبور
أناجــــــى الله
لصاحــــب القـــبر الذى عصاه
أطلب له
المغفــــرة من الألاه
أن يغفـــــر له وبرحمته يتــولاه
أبتسم الفل قائلاً
:
أحيك يا ورد على
وجودك فى الحياة
فإن لك فى الفرح والحزن منفعه
فأنت محظوظ حـتى
مع العصـــــــاة
وكـفـــــى لك عـنــد الله مشفــــعه
ويظل العشاق
والموتى مؤدين لك التحية
لك على طول الدهر مدينين لك بهدية
وحينئذ عرف الورد
سر وجوده فى الحياة، مرحاً ومسروراً مستطرداً هيبته بين العشاق ومريدى القبور إن
وجد.
اسكندرية فى 1988
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق