لحــــظة نســــــــــيان
قامت متهتكة من النوم، جسدها يكاد يتمزق، بعد أن ظلت نائمة لساعات طوال، كانت مُتعبة، البارحة كان العمل فى الكازينو شاق، لم ترى مثل هذا اليوم من قبل، هذا الوفد الذى جاء إلى الكازينو قد جعلها فى هذه الحالة البائسة، لم تتوانا فيه عن تقديم الطلبات، لكنها الأن سترى حصاد تعبها، ترى المال الذى تعبت من أجل الحصول عليه، أخرجت من سروالها مبلغ من المال، كانت موضوعه فى جوانب من ملابسها، حصيلة اليوم والبقشيش الذى كان ينهمر عليها كالمطر من الضيوف، لا تعلم لهم عدا، روزم من الورق الكبير الأخضر، عدتها حتى خمسة بكل واحدة منها ألفا، أنهم خمسة آلاف جنيه، بهم بعض الدولارات، فرحت بهذا المبلغ الكبير، فهى لم تحصل على مثله من قبل، حدثها هواجس عقلها بأنهم مع مرور الأيام سيزيدون، عشرا، خمسون ألف، مائة ألف، مائتان، المهم إذا أدت الخدمة كما ينبغى مثل حصيلة اليوم، سيرتفع المجموع إلى مائة ألف جنيه، ومن يدرى فالزيادة قائمة، ليت هذا الوفد يأتى إلى الكازينو كل يوم، أو يأتى وفود مثله، سأكون مليونيرة فى غضون أيام أو أشهر، لم أشكوا التقشف بعد اليوم.
قامت لتغير ملابسها بملابس جديدة أخرى، حتى تذهب إلى الكازينو فى أبهى صورة، ولتبدأ يوم جديد، وجدت ورقة مطوية فى طيات ملابسها قد وقعت على الأرض، إلتقطتها وقرأتها فى عُجالة، تفتحت عيناها عليها فاجأة، وأعادت قرأتها مرة ثانية، قرأت فيها أن رجلا ثريا يريدها بمبلغ ضخم هذه الليلة، لم تفكر فى شرفها، ولكنها فكرت على الفور فى المبلغ الضخم الذى ينتظرها، حدثها هواجس عقلها مرة ثانية، كيف سيكون هذا المبلغ، عشرة آلاف، عشرون آلفا، سأطلب الضعف، هذه المتعة لم تكن بهذا المبالغ الضئيلة التافهة، أنتابها التفكير وهى فى طريقها إلى الكازينو، تقرأ الورقة التى بها الموعد مرات ومرات، استلمت عملها فى تقديم المشروبات لرواد الكازينو، تدور بأعينها فى كل مكان وفى كل أركان الكازينو لتجد صاحب الورقة، من هو ..؟!
هل هذا..؟
أم هذا..؟
وقبل أن تيأس فى العثور عليه، لمحت رجلا شابا ذو هيبه جالسا فى ركن من أركان الكازينو يشعل سيجاره، أشار إليها بسيجاره، وتفحص أماكن الأغراء بها، فأيقنت أنه هو، أقتربت منه قليلا وهو يتغامز لها، تأكدت أنه هو من نظراته التى تنفذ فى جسدها كالسهام، أنفرجت أسريرها ووصلت عملها بهمة ونشاط، وهو ما زال جالسا فى مكانه تتبدل من أمامه فناجين القهوة مرة تلو الأخرى، وكاسات الويسكى مرة أخرة أيضا، شرب حتى أنتهت من عملها فوق العشرة، فقام ليحاسب على مشاريبه، أبت أن تأخذ منه ثمنهم، فالحساب يجمع، أخذها وخرج بعد أنتهاء عملها، ثم أستقلا سيارته الفارهة التى كانت تقف بباب الكازينو، واصلا السير إلى منزله، أنبهرت بمحتوياه بعدما دخلت، شاهدت محتوياته الفضية والذهبية المنتشرة فى كل أركانه، وكأن المنزل كان قصرا لإحدى البشوات، دخلت غرف نومه فاستلقت بجسدها المخمول عليه من أثار التعب، قدم لها كأسا به ويسكى المخلوط بالخمر، كان ثالثهما الشيطان، أفاقت بعد نوم عميق، وجدت أثار الدم متناثرة على الملائة، عرفت بأنها فقدت عزريتها، بسبب المبلغ الذى ستحصل عليه بعد هذه الليلة، هذه اللحظة فقط عرفت قدر نفسها، عرفت أن شهوة المال غلبت شهوة الشرف، الشرف الذى هو أعز ما تملكه الفتاة، لم يفيد البكاء والندم الأن.
أنتظرت حتى يمد يده فى دولابه لكى يعطيها المبلغ الذى حلمت به، كاد يطردها من بيته، أظهرت له الورقة، قرأها وأبدى لها بأنه لم يعلم عنها شيئا، بل أنه كان مجرد زبون يجئ الكازينو من وقت لآخر، وأنها هى التى استجابت له منذ أول أشارة منه، نزل الكلام على مسامعها كالصاعقة المدوية، فسقطت على الأرض مغشية عليها، وبعد لحظات فاقت لتجد نفسها فى المستشفى، لا أنيس ولا ونيس بجانبها، بل وحيدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق