الأربعاء، 17 فبراير 2016
الوهن
عند الفجر نهض الشيخ يتكأ على عصاه حتى وصل إلى صنبورالمياه
ليتوضأ،وكانت يداه ترتعشان عندما
فتحه، بعد صعوبة كبيرة استـطاع
أن ينتهى من الوضوء،اتكــأ على عصاه
حتى وصــل إلى مصــلاه في
غرفته، فصلى وهو جالسا على مقعد،
وانتهى منها،وكان يمكـث بعض
الوقت للدعاء،فقد دعا لولده الذي
يعمل في إحدى الشركات في القاهرة
منذ شهور،لم يعد يقدرعلى الحركة، منذ
سنوات قلائل،وبعد أن بلغ سن
الستين من عمره،أصابه المرض الرعاش،
حتى لازمه في حياته، كان
يعيـش وحده في المنزل منذ وفـاة
زوجته التي كانت تشاركه لي الحلوة
والمرة، وكانت تقـوم على خدمته،فبعد
وفاتها أعتمد على نفسه حتى أن
وصل إلى هــذه الدرجة، صعبت عليه
حيــاته وبدت مستحيلة من تقـدم
العمر به، يريد عودة ولده الوحيد
ليساعده على عناء المعيشة، دعــا له
بالعـودة سالما معافى،وكأن القدر يلعب دوره،والسماء
تستجيب لدعائه،
بعـد قليــل سـمع طرق الباب، قـام
متكأً على عصاه التي كانت تساعده
على التنقل،وصـل إلى البـاب وأستطـاع
أن يفتحـه، وجـد أبنـه ضاحكا
في وجهـه ، أحتضنه بحــرارة، بقى
ولــده على صــدر أبيـه، لأنه كان
لا ينوى أن يتركه وحيدا إلا للشديد
القوى ، لاحتياجه للمال، وعده ولده
بتحقيق كل ما حرم منه ، قبل يده
طالبا منه أن يسامحه ربت على كتفه
بلطـف ، ودعـا له بأن يرضيه الله ،
وقـد اسـتطاع أن يزيـل عنـه الهـم
والكرب.
ذهب الشيخ الوقور إلى مضجعه لكى لا
يرهـق ولده قاسا عناء السفر،
وبعـد ما استراح من سـفره ، طلـب منه
سـرعة الزواج كى يحضر له
زوجه تعيل المنزل وتقـوم على خدمته ،
فكـر قليـلا ، وكأن طلـب أبيه
أمـرا لا بد من تنفيذه ، فظل يبحث عن
زوجة له تكـون صالحة ، وقبل
أن يفكر فى إحدى بنات القرية، أمسك
أبيه معصمه وهو يوعظه قائلا:
- يابنى .. إن متاع الدنيا زوجة
صالحة.
- يابنى .. خذ من أحبتك ولا تأخذ من
أحببتها.
كانت فراسة الشيخ فى محلها، لأنه يعلم من
أمور الدنيا أكثر منه ، فهو
يرى ما لا يرى ولـده، وعليه أن يدلـه على
الطريق الصحيح، عليه أن
يوعظـه لكى لا يقـع فى الخطيئة، مهمـا دارت به الدنيـا فيـظل له ولده
الصغـير الذى يريـد الاطمئنان عليه
قبـل أن توافيه المنية، حتـى يضع
قدمه على الطريق الصحيح، وكان الشيخ
يوجهـه إلى الطريـق القويـم
فى اختيار الزوجة الصالحة،لأن البنت
التى تتربى على تقاليد وعادات
حميدة تريحه طول العمر، ومن خلال حياته
التى طالت سبعـون عاما
رأى فيها الصالح من الطالح.
كانت وصية أبيه قاسية عليه، ولكـن أنارت
له طريق اختيـار الزوجة،
فعمل بوصية أبيه، حتى ذهب دون تردد
إلى شـيخ عجوز فى أطراف
البلدة، يعرفـه ويعـرف أبنته البالغـة
من العمر ثمانى عشـر عاما، فهـو
يعرفهم منذ سنوات، كان يتمنى أن
يراها وها قد حانت اللحظة، قدم له
نفسه وحكى له عن حياته التى بدأها
بشقـاء، كان الشـيخ يعرف إجتهاد
الشباب وما يعنـوه مثلما يعـرف
أبيـه، فتفهـم الأمـور حتى وافـق على
زواجه من أبنته، يتقاسمان
الحياة بحلوها ومرها.
أحفاد الجدة
قصة قصير
بقلم/ فوزى إسماعيل
وجـدت نفسها تعول أسـرة كبيرة، تعــدادها يصل
لخمسة عشــر فــردا
من بين جد جدة وأب وأم، وولـد وبنت وحفيد
وحفيدة، وكأن الدار التي
تقطن فيها تشبه بالسرك، الجد كبير في التسعين
من عمره،يجلس دائما
على دكه خشبية تتوسط بهـو الدار،وهى كبيرة أيضا
في السن، قد حفر
تجـاعـيد الشيخـوخـة وجههمـا، تجلـس هى الأخـرى
على حصـير مـن
البــوص أمام زوجها، تساعـد بالقــليل زوجـة
أبنهــا التي وصلـت إلى
الخمسين من عمرها ، هى الأخرى فقـد صار شعـر رأسهـا
شيبا، مثـل
زوجها تماما ، وكانت الجـدة تداعب أحفـادهـا
الصغـار، منـذ طفولتهـم
والذين وصلوا أعمارهم ما بين العشرين والثـلاثين
، وكأنهــم ما زالوا
أطفالا مدللين بالنسبة لها.
كان اليوم هو الموعد لزفاف أحدى حفيداتها،
فجلس أهل الدار يصنعن
الفطائر والحلوى ولوازم الزفاف، كانت الحفيدة
الوحيدة في الدار التي
أتاها العـدل، وهى من الجيـل الرابع في ترتيب
العائلة ، أى هى حفيـدة
حفيدتها، وكان الحاج الشهاوى الكبير الذي عاش
قرن من عمره، يتأمل
مسيرته من لحظة مولـده وشـقائه في الدنيـا،حتى
زواجـه ووصوله إلى
هـذه الدرجـة، وعلـم أن الإنسـان له عـدة أطـوار،
تبـدأ من صغره حتى
الشيخوخة التي هى أخر التطور الإنسانى .
وكانت الجدة تعمل الزبدة كما تعلمتها من
ولدتها منذ العشرينيات، كانت
تصنعها من خلال إربة مصنوعة من معـدة المعز
محمولة على أرجـل،
رغـم أن الحيـاة تطورت الآن ، وضعتهـا نسـاء
الجيل المتقـدم بواسـطة
ماكينـة كهــربائية لم تتعـدى الثـوانى المعـدودة،
وبدا على وجـه الجــدة
الدهشة من استعمال النساء للآلات الحديثة مثل
فرم الطماطم في مفرمة
كهربائية، فكانت تفرم في السابق بأصابع اليد
كما هــو معهـود، وزادت
دهشتها أكثر عندما رأت ماكينات صنع البسكويت
وأخرى لفرم اللحوم،
وغيرها من الماكينات.
وكأنما انتقلت من عالم إلى عالـم أخـر،
فترحمت على ما مضى من أيام
جميلة لا ترى مثلهـا أبد الدهـر، برغـم من ظهـور
هـذه التكنولوجيـا في
حياتهم.
كانت الجـــدة تمــر بمراحل تتطــور معهــا
عبر الزمن، في البشر وفى
الآلات التي تظهـر يومـا تلــو الأخــر،
وكأنما القـرن التي عاصرته هو
لا شئ بالنسبة لها، وكأنها دخلت من باب وخرجت
من باب.
هكـذا تمر الحياة عليها برتابتها، وبعـد أيام
قلائل زُفت الحفيدة الصغيرة
إلى زوجها، ثم أنجبت بعـد تسـعة أشهر توأما
وزادت قـوة العائلة، اثنان
آخران حتى وصلوا إلى سبعة عشر فردا،وبعد مرور
قرنا آخر صاروا
مائة وسبعة عشر فردا، ومازالوا يزدادون.
* *
الأحد، 14 فبراير 2016
رجل بنصف عقل
قصة قصيرة
بقلم.. فوزى اسماعيل
وحــده، أختـار طريـق الزراعـة، وكان أبـوه يزجه
إلى طريـق التعليــم
منذ صغره، لكنه كان رافضا رفضا تاما بعدم
الذهاب إلى المدرسة، أنه
لا يريد طريق التعليم، عمـل أبيـه معه
المستحيل، تركه على هـواه بعـد
عنـاء طويل من المجادلة معه، وجــد فيه
ميوله للزراعـة أكـثر، خلـص
ذمته أمام الله، فكان يريد أن يذهب
ولده على المدرسة مثـل أقرانه التي
في سنه، حتى لا يعيره أحد بجهله عند
كبره.
مات أبيه وتركه في كنف أمه ترعاه ،
وتقوم على تربيته، كما كان يفعل
أبيه، مرت الأيام والسنون وكبر الصبى،
كان يدعى حمدان ، وحيد أبيه
وأمه ، كان عند بزوغ الفجـر يركـب دابته
ويصطحب من خلفـه ماشيته
ذاهبــا إلى أرضه لا يعـود منهـا إلا عنـد الغـروب،
وكأنه أكـتسب منهـا
الخبرة الكافية لزراعة جميع المحاصيل المختلفة.
فـقـد
ترك له أبيه ثلاث أفـدنة من خـيرة القـرية، تحــظى بإهتمـام بالـغ
منه، أعطته محصول وفـــير لما أخـذت منه من جهـد وعرق، ونسـى
حكاية التعليم هـذه نهائيا، ولا يلتفت
نحوها ولــو برُمقة عــين، الأرض
هى الأســـاس وهى أهــم من التعليم، بعــد
نهاية كل عام يحصد الزرع
ويبيعه، ويحصــد المــال ويزيد، كان
محصول الطماطـــم الذي زرعه
يتلهف عليه التجار للحصول عليه،عرف
قيمة الأرض،أعطته الأرض
أكثر من المتوقع، ففرح وأبتهج لما
أنعم الله عليه من نعم .
راح يتأمل صورة أبيه المعلقة على أحــد
الجـدران في غرفة الضيافة،
قال لنفسه :
- لو كنت قد اخترت طريق التعليم لا
كنت في هذه المكانة.
سمعته أمه وهى تضع على المنضدة كوب الشاى، فقالت
له بعقلانية :
- التعليم سلاح لا غنى عنه يا حمدان.
جلــس يحتسى الشـاى وهــو يرمق أمه بطـرف عينيه،
وغلب تفكيره
حديث أمه، فلا يسمعها،ولكنه لا يسمع
إلا وسـاوس نفسه، وكأنه يرى
التعليم شيئا قبيحا، وإضاعة للوقت
الثمين الذي يصنع فيه المعجزات.
قامت أمه من أمامه بعد مدة قضتها معه
في الحديث عن عطاء الخي،
وتركته نائما فقـد غفـت عيناه للنـوم
ليستريح قليلا بعد العصر، أمامه
أعمال كثيرة لابد وأن ينتهى منها
اليوم،خصوصا بعد اتفاقه مع التاجر
الذي يشترى محصول الطماطم.
جــاء التاجر إلى بيته، وهو كان من
أهل القرية، ظل يشترى قراريط
صغيرة حتى كبر ولعبت معه العملية ،
فمنذ سنوات عديدة وهو يحجز
محصول الطماطم من حمدان، وكأنه كان
يحتكره ، يوافق على الثمن
الذي يتفــق عليه، سمع التاجــر بأن
حمدان ينــوى بيع هذه الأرض ،
ويكتفى بفدانين فقــط حتى يقــوم
بإصلاح بيته وبنـاء عــش الزوجية،
كانت هذه النية من حمدان منذ أسابيع،
وبالفعل أتفق معه جاره سعفان
على شرائها،لأن الجار أولى بالشفعة،حرك
هذا الاتفاق نشوة وغريزة
التاجر،لأنه لم يجد استجابة من حمدان
الذي كلمه عدة مرات عن بيعها
له، كان يعرف أن الأرض قوية وعفية ،
تعطى إنتاج وفـير لصاحبها،
وغير ذلك موقعهـا الجغرافى بالنسبة
للقرية عالى المكـانة، المتر بعـد
سنوات سيزيد تمنه الضعف، ومن يدرى
يقترب منه الكردون الذي بدأ
يزحف نحوها.
جلــس التاجر يفكر في محاسن تلك الأرض،
وما تكون عليه بعد ذلك،
أراد أن يعمل كل الحيـل في الاستيلاء
عليها، ففكـرفي حيـلة شيطانية،
عـزم على تنفيذها ، جاءته أم حمدان بالشــاى
فاصطنع حركة أسكبـت
أكواب الشاى على المقعد وهو يوقع على
عقد شراء المحصول، نهض
من مكانه وذهب إلى بيته لإحضار غيره،
كان قد جهزعقد بيع وشراء
أخـر، أراد أن يضع حمدان أمام الأمر
الواقع،لأنه كان يعرف أنه أمى
لا يحظى بقدر من التعليم، فلا يكتشف
ذلك.
جاء ومعه العقدان ووضعهما فوق بعــض،طلــب
من حمدان أن يوقـع
بخاتمه على العقدين ، وكان قـد أصاب
يد حمدان الإرتعاشة ، فتعجب
منها لأنها أول مرة تحدث له،شعربأن في
الأمر شئ، حــس بحشرجة
قـد سدت حلقه.
سمع طرق الباب، دب في نفسـه الحيوية مـرة
أخـرى، وجـد أبن خـاله
عزت داخلا عليهم،جلس على مقعد أمامهم،وكان
عزت قد حصل على
شهادة عُليا من الجامعة في البندر
ورجع إلى القرية،وهاهو يتردد على
حمدان يوما بعــد يوم، كان التاجر
يداعـب مسبحته، وهو يرمق عزت
بطرف عيناه، وكأن لســان حاله يقــول،
لقــد أفســـد عليــك مخططك،
وانصب على وجنتيه العرق بغزارة.
هَّــم حمدان بختم العقد، فكان التاجر
يسرعه، ولكنه توقف بعد ما طلب
عزت منه مراجعة العقد، ويراه من
الناحية القانونية، لأن هــذا مجاله،
فكانت شهادته في المحماة، ويريد أن
يمارس مهنته على حمدان، ظل
يقــرأ العقد والتاجر يرمقه، والعرق
ما زال ينصب على وجهه، حتى
مسبحته سقطت من يده على الأرض من
ارتعاشة يده.
نهــض عزت صارخا يوضح لعبة التــاجر
الشيطانية، لقد كشف عن
ألاعيبه، جاءت أم حمدان على الضجيج
بين عزت والتاجر، وقالت :
- ماذا حدث.. ؟
وضح عزت لهــا بأن حمدان كان ســوف يكون
ضحية التـاجر عديم
الضمير، وما أن سـمع التاجر عزت وهو
يفضح أمره خطف العقدان
وأسرع للخارج دون أن يلحق به أحد.
وعند هذه اللحظة علـم حمدان أنه كان
فريسة لشخص عديم الضمير،
وعــرف أن التعليم نــور، وهو أساس
الإنسان في الحياة الدنيا كالماء
والهواء، وعزم على التعليم مهما كلفه
من مشقة، ولا يتعامل مع مثـل
هـذا التـاجر الجشـــع الــذي كــان
سيستولى على أرضه دون علمــه
مستغلا جهله، حتى قالت أمه له :
- يا ولدى من لم يتعلم فهو رجل بنصف
عقل.
حزا هذا التشبيه في نفسه، حتى صمم
على الالتحاق بالتعليم أولا،وقد
مـر خمس سنوات وهو يعكف على القراءة
والكتابة بعد إن إلتحق في
فصول محـو الأمية وفصول اسم ليلى كما
كان في السـابق، ثم إلتحق
أخـيرا بالتعليم الإبتدائى من
منازلهم، فهــو نابغة في تلقى العــلم حتى
وصل إلى قدر عالى من التعليم يحميه
من غدر الآخرين.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)
مقال بقلم/ فوزى اسماعيل
تحية لرجال كفر الشيخ مفتاح لسعيهم فى عمل الخير اقر وأعترف بأن رجال كفر الشيخ مفتاح...