السبت، 14 سبتمبر 2024
قصة قصيرة بقلم/ فوزى اسماعيل
عفاف .. والبيت الكبير
هى التى أفلحت فى الإلتحاق بكلية الطب، تلك الفتاة التى أسمَهاَ عفاف، والتى تعيش فى البيت الكبير، الذى يضم عائلة عريقة، تكاد تصل إلى أربعة عشرة نفسا، من ثلاث أشقاء، عامر وحسين وشكرى، ونسائهم، وأولادهم، فهى تعيش فى كنف أبيها عامر أكبرهم، وأولاد عمها الأربعة الذين هم فى سنها، وقد رزق الله تعالى عامر بأبنته عفاف، وهى وحيدة له، كان عندما أنجبها أنثى توارى بوحهه عن أخوته، وكاد أن يخسف بها بعيدا عن البيت الكبير الذى يملؤه الذكور.
فهو الوحيد ذريته أناث وذرية أخواته ذكور، كان كأنما بُلىَ ببلية، حتى أسودت الدنيا أمام عينيه، وكره الحياة، فكلما ينظر فى وجوه أولاد أخوته الذين يملؤن البيت صخبا ولعبا، يعتقد كأنما يلومونه، بعدَ عنهم وترك البيت أيام وليالى بحجة أنه يقوم على إنجاز أعمال بخصوص حدائق الفاكهة التى يملكها، وكان الشيطان يسول له الحياة الرغدة التى يعيشونها أولاد أخوته، حتى قرر أن يتزوج ليرزق بولد مثلهم، وكان لا يرضى بنصيبه الذى قدره الله له.
وكانت زوجته تقيه تراعى الله فيه، فكانت تحس بما هو يحس، وتألم لما هو يألم، حدثته كثيرا عن القسمة والنصيب، وإرادة الله فيما يمنحه لعباده.
- ليس الذكر كالأنثى.
قالها وهو غاضب، ولكن هذا قدر الله، فالإناث ليسوا كمالة عدد، وإنما هى مثل الذكور تماما، لها ما لها وعليها ما عليها، وليس بيد أى بشر أن يخلق ذكرا أو أنثى، بل الله هو الذى يقر فى الأرحام ما يشاء، وهو الذى يهب لمن يشاء الإناث ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا، ويجعل من يشاء عقيما.
عندما تليت زوجته الآية الكريمة، صدق قول الله تعالى.
كل هذه المواعظ كانت تلقنه بها زوجته كل ما ترى الضيق على وجهه، فهى على دراية من أمور الحياة، لأنها تلقت قدرا ضئيلا من التعليم، جعلها تقرأ كتاب الله وتعلم نواهيه، فلذلك كانت توعظه ليتجنب وساوس الشيطان، وكان البيت الكبير الذى عرف بالتقوى وحُسن المعاملة لكل أهل جيرانه، كان كخلية نحل، أطفالا يلعبون، ورجالا يعملون فى حظائر المواشى، ونسائهن يعملن فى البيت، من تجهيز الأطعمة، وعمل الخبز وغيرها، وهو تاركا اشغلات البيت لإخوته، يفعلون ما يشاؤن، بالتشاور معه أيضا، يقومون على خدمة الأرض التى يمتلكونها والتى تقدر بخمس أفدنة، لقد تربوا جميعا على نهج أبيهم الذى ترك لهم إرث من المحبة والمودة بينهم، والإعتصام بالله فى السراء والضراء، وكانوا يسيرون على ذلك، فهم كالعصب يشد بعضهم بعضا.
كانت عفاف فطنة تعلم بواطن الأمور، وتفصل بين الخير والشر، والأسود والأبيض، رأت أبيها مضجرا من ناحية هذه المسألة، لكونها أنثى وليست ذكرا كأولاد عمها، فقررت أن تتفوق فى الدراسة، وأن تثبت لأبيها أنها ليست عاجزة عن أن تكون فى مكانة مرموقة، وأن تثبت له عكس ما يظن، حتى كادت أن تعطى كل أوقاتها للدراسة وتتفوق على أقرانها الذكور مهما كانوا نابغين، لكى تقدم لأبيها الهدية التى تعد لها.
هدأ عامر عندما وجد أبنته تتفوق فى المدرسة، خصوصا على أولاد عمها، لأنهم كُسَالَا لا يعتنون بالدراسة، إنما كانوا بعيدين عن التفوق، وهذا ما أثلج صدره ونسى بأنها أنثى لا ذكرا، وكانت عفاف بعيده تماما عن شغل الدار، فقد تفرغت لدروسها فقط، لأن نساء البيت يكتفين بأنفسهم، لكثرة عددهن، فلزمت هى التفوق والمذاكرة، لذا أبعدها أبيها عن كل شئ.
فى الأعياد والمناسبات يحضرن النساء بالكعك والمأكولات إلا هى، تنتبه لمذاكرتها، وكأنها تحضر لشهادة عليا، حتى وصلت إلى الجامعة وإلتحقت بكلية الطب، كانت الفرحة لا تساع قلب والدها عامر، الذى تأيف وارتدى أبهى ثيابه يمشى فى القرية، متباهيا بها، يلقى التهانى من أهل العائلة ومن أصحابه وعشيرته، وكانت حسرة وندامة على وجوه أخوته، لخيبة أملهم فى أولادهم الذكور، لأنهم ألتحقوا بمدارس متوسطة، ولم يفلح أحد منهم كما فلحت عفاف، وتفوقت عفاف فى الجامعة، وكرمتها إدارة الجامعة لنبوغها، وذاع صيتها وسط الأوائل.
هذه الفرحة جعلت أبيها بمثابة عمدة القرية، كل أهل البلد قد أحتفوا بها وبنبوغها، وأيضا بإختيارها ضمن المتفوقين الذين سيشاركون فى تمثيل الكلية فى مؤتمر دولى، حينئذ رأى عامر أبنته وهى تكرم من السيد المحافظ الذى أعطاها درع المحافظة فى حفل أقيم وسط كوكبة من علمائها.
وبدت للبيت الكبير جوهرة ثمينة، تضيئ وتشع عليهم نورا ومهابة، وتذكر أبيها يوم أن نبذها لأنه رُزقَ بها، وعرف أن البنت كالولد، ليست كمالة عدد، وبدأ دورها فى الحياة يكتسب قيمة وتفاخر، لما لاقته من محبة الناس لها، وأيضا بتفوقها الذى جلب لها الحب والأحترام.
وكان أبيها يتفاخر بها أمام الناس، كلما وطأت قدماه فى مكان، كانت تذكر بالخير أولا، فكان صبر عامر على حُسن تربيتها تربية سليمة له قيمة فى حياته، فترجم ذلك على ما وصلت إليه الأن وحصلت على التفوق بمرتبة الشرف الأولى.
وقد هدأت الأجواء، فذكرته زوجتة، قائلة :
بسم الله الرحمن الرحيم
وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا وما تدرى نفس بأى أرض تموت إن الله عليم خبير.
قال عامر وعينيه تدمع :
صدق الله العظيم.
ميت غزال فى 2/2/2022
قصة قصيرة بقلم/ فوزى اسماعيل
لحــــظة نســــــــــيان
قامت متهتكة من النوم، جسدها يكاد يتمزق، بعد أن ظلت نائمة لساعات طوال، كانت مُتعبة، البارحة كان العمل فى الكازينو شاق، لم ترى مثل هذا اليوم من قبل، هذا الوفد الذى جاء إلى الكازينو قد جعلها فى هذه الحالة البائسة، لم تتوانا فيه عن تقديم الطلبات، لكنها الأن سترى حصاد تعبها، ترى المال الذى تعبت من أجل الحصول عليه، أخرجت من سروالها مبلغ من المال، كانت موضوعه فى جوانب من ملابسها، حصيلة اليوم والبقشيش الذى كان ينهمر عليها كالمطر من الضيوف، لا تعلم لهم عدا، روزم من الورق الكبير الأخضر، عدتها حتى خمسة بكل واحدة منها ألفا، أنهم خمسة آلاف جنيه، بهم بعض الدولارات، فرحت بهذا المبلغ الكبير، فهى لم تحصل على مثله من قبل، حدثها هواجس عقلها بأنهم مع مرور الأيام سيزيدون، عشرا، خمسون ألف، مائة ألف، مائتان، المهم إذا أدت الخدمة كما ينبغى مثل حصيلة اليوم، سيرتفع المجموع إلى مائة ألف جنيه، ومن يدرى فالزيادة قائمة، ليت هذا الوفد يأتى إلى الكازينو كل يوم، أو يأتى وفود مثله، سأكون مليونيرة فى غضون أيام أو أشهر، لم أشكوا التقشف بعد اليوم.
قامت لتغير ملابسها بملابس جديدة أخرى، حتى تذهب إلى الكازينو فى أبهى صورة، ولتبدأ يوم جديد، وجدت ورقة مطوية فى طيات ملابسها قد وقعت على الأرض، إلتقطتها وقرأتها فى عُجالة، تفتحت عيناها عليها فاجأة، وأعادت قرأتها مرة ثانية، قرأت فيها أن رجلا ثريا يريدها بمبلغ ضخم هذه الليلة، لم تفكر فى شرفها، ولكنها فكرت على الفور فى المبلغ الضخم الذى ينتظرها، حدثها هواجس عقلها مرة ثانية، كيف سيكون هذا المبلغ، عشرة آلاف، عشرون آلفا، سأطلب الضعف، هذه المتعة لم تكن بهذا المبالغ الضئيلة التافهة، أنتابها التفكير وهى فى طريقها إلى الكازينو، تقرأ الورقة التى بها الموعد مرات ومرات، استلمت عملها فى تقديم المشروبات لرواد الكازينو، تدور بأعينها فى كل مكان وفى كل أركان الكازينو لتجد صاحب الورقة، من هو ..؟!
هل هذا..؟
أم هذا..؟
وقبل أن تيأس فى العثور عليه، لمحت رجلا شابا ذو هيبه جالسا فى ركن من أركان الكازينو يشعل سيجاره، أشار إليها بسيجاره، وتفحص أماكن الأغراء بها، فأيقنت أنه هو، أقتربت منه قليلا وهو يتغامز لها، تأكدت أنه هو من نظراته التى تنفذ فى جسدها كالسهام، أنفرجت أسريرها ووصلت عملها بهمة ونشاط، وهو ما زال جالسا فى مكانه تتبدل من أمامه فناجين القهوة مرة تلو الأخرى، وكاسات الويسكى مرة أخرة أيضا، شرب حتى أنتهت من عملها فوق العشرة، فقام ليحاسب على مشاريبه، أبت أن تأخذ منه ثمنهم، فالحساب يجمع، أخذها وخرج بعد أنتهاء عملها، ثم أستقلا سيارته الفارهة التى كانت تقف بباب الكازينو، واصلا السير إلى منزله، أنبهرت بمحتوياه بعدما دخلت، شاهدت محتوياته الفضية والذهبية المنتشرة فى كل أركانه، وكأن المنزل كان قصرا لإحدى البشوات، دخلت غرف نومه فاستلقت بجسدها المخمول عليه من أثار التعب، قدم لها كأسا به ويسكى المخلوط بالخمر، كان ثالثهما الشيطان، أفاقت بعد نوم عميق، وجدت أثار الدم متناثرة على الملائة، عرفت بأنها فقدت عزريتها، بسبب المبلغ الذى ستحصل عليه بعد هذه الليلة، هذه اللحظة فقط عرفت قدر نفسها، عرفت أن شهوة المال غلبت شهوة الشرف، الشرف الذى هو أعز ما تملكه الفتاة، لم يفيد البكاء والندم الأن.
أنتظرت حتى يمد يده فى دولابه لكى يعطيها المبلغ الذى حلمت به، كاد يطردها من بيته، أظهرت له الورقة، قرأها وأبدى لها بأنه لم يعلم عنها شيئا، بل أنه كان مجرد زبون يجئ الكازينو من وقت لآخر، وأنها هى التى استجابت له منذ أول أشارة منه، نزل الكلام على مسامعها كالصاعقة المدوية، فسقطت على الأرض مغشية عليها، وبعد لحظات فاقت لتجد نفسها فى المستشفى، لا أنيس ولا ونيس بجانبها، بل وحيدة.
الجمعة، 13 سبتمبر 2024
قصة قصيرة بقلم/ فوزى اسماعيل
الشهيد المظفر
ها أنا سأترك ما بيدى لأجاهد من أجل أولادى فلذة كبدى، ومن أجل أسرتى وأقاربى وعشيرتى، ليعود الأمن والآمان إليهم، يالها من حرب شنعاء ستبدأ، متوقع الدمار الذى سيحل علينا من هؤلاء الغاشمين، بآلياتهم التى ستكون أشد فتكاً، سأجاهد من أجل البقاء، لا ننسى ولن ننسى بأن الله ينصر المؤمنين، فنحن نواجه عدو غاشم، لا يفرق بين صغير ولا كبير، فهم بلا قلب ولا رحمة، علىَّ الآن أن أترك أولادى فى هذا البيت المعرض للقصف، وأنا على يقين بأن الله لا يتركهم بعنايته، فليس لنا غيره، أستودعكم الله.
لقد أحضرت سلاحى من تحت وسادتى، وقمت بتعميره، رغم أنه سلاح صغير وهزيل، أمام أسلحة العدو الفتاكة، لكنى أطمع فى نصر من الله مبين، ها قد بدأت الحرب بالفعل على قطاعى الحزين الذى يعانى مصاعب الحياة، ضوى الانفجار تضوى فى كل مكان، منذ أن عرفنا نية العدو بالاجتياح، أنشأت نفقاً صغيراً تحت منزلنا، لكى يحتموا فيه أولادى وأسرتى من هول القصف، والآن علىَّ أن أطمئن عليهم فيه قبل أن أفارقهم، لكى ألحق بالمجاهدين، يا لها من حرب لا نعلم نهايتها.
جاءنى أقاربى وهم يحملون السلاح، لنشد رحالنا إلى الجبهة، وقد سلحت نفسى بما فاض لى من قنابل وذخائر، وربط على قلبى رباط القهر بعدما نظرت إلى أولادى النظرة الأخيرة، لأننى على يقين باننا لا نتقبل بعد اليوم، فإما أكون أنا شهيداً، أو أولادى سكنوا تحت الأنقاض، جراء القصف الجحود الذى يتناصر فى كل مكان، فى أرجاء غزة الوطن الذى نتمسك به حتى أخر قطرة من دمائنا، والذى يتخلف من ورائه آلاف الشهداء الأبرياء، ودمار للأسكنه الآمنة فى سربها، وأيضاً الأخضر واليابس الذى سيبيد، لعلنا نكون المدينة الوحيدة التى تسوى بالأرض.
ذهبت إلى أماكن القصف، وصوبت فوهة بندقيتى نحو العدو، سقط منهم قتلى، بالرصاص الهزيل الذى معى، والذى أعتقدت بأنه لا يصل إلى أجسادهم من ضآلتها، مقارنة بالدبابات وصواريخ المقاتلات الجوية، لكنى أردد فى نفسى، الله أكبر فشتدت عزيمة، عند كل رمى قذيفة، فالله تعالى قال فى كتابه العزيز : وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى. أنتهى اليوم الأول بحصيلة عشرة قتلى من العدو، حتى ظفرت بالنصر فى نفسى، وانسحبت القوات الغاشمة من حيى الذى يرقد فيه أولادى.
وجاء اليوم التالى، وعندما هممت بملاحقة العدو، إذ أرى قذيفة مدوية تجتاح جزءاً من منطقتى، علمت بأن الحرب توسعت أكثر ضروة، وتوسع نطاقها حتى أشتدت حدة القتال هنا وهناك، وأنا لا زلت أقاتل فى صفوف المتطوعين، حتى مرت عدة أيام وأخذ العدو هُدنة، فظننت أن الحرب توقفت، فذهبت إلى أولادى لأطمئن عليهم وأواسيهم، وأنا فى غمرة القُبلات والنشوىّ وهم بين أحضانى، إذ أفاجئ بقذيفة مدوية تنسف منزلنا، لننتقل جميعنا من دار الدنيا إلى دار الآخرة، شهداء عند الله يرزقون.
الاثنين، 9 سبتمبر 2024
قصة قصيرة / بقلم / فوزى اسماعيل
سلة مهملات
ترقيت مجيئه ليخطبها، كان عبر الهاتف قد
حدثها عن ميعاد وصوله، أنتظرته فى المطار فى الساعة المحددة لوصول الطائرة إلى أرض
الوطن من طوكيو، بعد ست سنوات
قضاها هناك، الآن يتحدث الإنجليزية بطلاقة، هكذا طمئنت الفتاة فى نفسها، فهو قريب
منها قرابة ثالثة، هو من العائلة التى منها، وكانت تعرفه وهو يدرس فى المدارس
المصرية، وبعد أن تخرج منها وحصل على الشهادة العليا ذهب إلى طوكيو للعمل فيها،
فمنذ ست أعوام وكانت الصدفة حليفة له، عندما وجد إعلانا فى أحدى الصحف للسفر إلى
طوكيو كمنحه دراسية، وقدم فيها ليلتحق بها، بجانب ذلك عمل هناك عمل أضافى لكى يوفر
له مبلغا من المال ليعينه على الزواج فى مصر عندما يعود، وبالفعل جمع مبلغا لا بأس
به من المال، أودعه فى بنك من بنوك القاهرة، ليكون رصيدا له، وعاد إلى مصر أخيرا
ليلتقى بمحبوبته التى تنتظره من ست أعوام، رجع إلى حلمه الذى ينتظره.
فرحت الفتاة بعودته، وكانت تحلم بغرفة تجمعهما
بعد كل هذه السنوات، عاد وقد تغيرت حالته من بؤس إلى رفاهية، الأموال التى جمعها
فى الغربة قد غيرته، حتى كاد أن يكون شخصا آخر غير الذى تعرفه، تعجبت الفتاة لما
رأته عليه، حتى ظنت بأنه تبدل بشخص آخر.
تحدث كثيرا عن
حياة البشر هناك، ونسى أصله وفصله وحياته التى يعيشها فى القرية من قبل، وبدت
النعمة قد ظهرت عليه، وكأن كل من حوله جهلاء، تحدث عن الحضارة التى غيرت نواميس
البشر فى تلك المدينة الساحرة.
حاولت الفتاة أن
تعيده إلى أصله، تحدثه عن أيام الطفولة والصبا، ولكن رفض أن يتذكرها أو يذكره بها
أحد، تلك الأيام أعتبرها أيام الحرمان والبؤس فى حياته، ولا ينبغى أن يفكر فيها
بعد ذلك، حاولت بكل الطرق أن تواجه فكره المشتت المشمول بالحضارة الغربية هذه،
ولسانه الذى لا يخلو بالتشدق بها.
كان يوعدها بأنه
سينقلها إلى عالم آخر، وأنه سيطور كل شئ فى الحى كما يراه فى طوكيو، بدت الفتاة
تختنق من حديثة عن طوكيو وبلاد الغرب، وما يحدث فيها، حاولت أيضا أن تجاهد فى
تغيره وعاهدت نفسها على تحقيق هدفها.
وقف مع شباب الحى
يحكى لهم عما يدور فى طوكيو، حتى جعلهم يحلمون بالسفر إليها، وكأن طوكيو هذه لا
مثيل لها على الأرض، وكانت الفتاة كلما كانوا يسألون عنه، من حديثه عن نفسه
وتباهيه تخجل وتضحك فى نفسها سخرية منه، كانت تسمع العجب العجاب قصصه وغرمياته
بالأماكن الساحرة هناك، حصوصا من النساء الذين يتشدقون بمعرفة أخباره من أزواجهم.
بدأت الفتاة تحس
بنوع من الإنتكاسة والخزى تجاهه، فبدأت تبتعد عنه لأيام دون أن تراه، وحتى عندما
يقدم لها هدية يظل ينوء عليها، وكأن هذه الهدية منه لها، وبدأ يمن عليها عندما
يعطيها أى شئ، وهى كانت ترفضها، ولكن بعد إلحاح منه تقبلها على مضض وهذا كان يحز
فى نفسها.
عرف أهل الحى
جميعهم مغامراته فى طوكيو، والفتاة مغلوبة على أمرها، فهى مرتبطة معه على كلمة منذ
ست أعوام كاملة، فلا تريد أن تهدر كل هذه السنين فى لحظة غضب، كانت تقول لنفسها
غدا سيهديه الله ويعود إلى صوابه.
لكنه كان يتمادى
فى إظهار عظمته، وما فعله فى غربته، أراد أن يتعجل بالزواج، لكن الفتاة لم يعد
عندها رغبه فيه، فقبل أن يرتبطا لابد من التفكير العميق، فهى مسألة حياة للأبد،
لابد من أخذ القرار الصحيح، فهذا قرار مصيرى لا رجعة فيه، لكى لا تندم بعد ذلك.
أمست ليلتها فى
أرق تفكر كيف ستتخذ القرار، تذكرت حالها من أيام الصبا، قبل أن يسافر إلى طوكيو،
وبعد وصوله، وما قاله عن نفسه، وكأن ذلك صار كالنار فى الهشيم، حتى لآنه يمدح فى
نفسه، حتى عرف الدانى والغانى كل كبيرة وصغيرة عنه، والجهاد المنشود الذى أوصله
لذلك.
تذكرت الألم الذى
ألم بها حين رجع، وطريقته المزرية التى يتحدث بها كل لحظة وأخرى، لابد من أخذ قرار
مصيرى يحدد سعادتها أو تعاستها، أنها تفكر الآن ملياً فى مصيرها الذى سيحدد أيضا
الطريق التى ستسلقه، إن كان مستقيما أو أعوجاجا.
قامت وتوضأت
لتصلى صلاة الأستخارة، هذه الصلاة هى التى تحدد مصيره، وتهدى نفسها، قامت فى منتصف
الليل وصلت صلاة الأستخارة كما ينبغى، ونامت ليلتها فى هدوء وسكينة، حلمت بأنها
تسلك طريق ملئ بالأشواك، طريق غير ممهد به رعب وزعابيب وزمهرير،أقتنعت بما رأته فى
الحلم، ثم قصت الحلم على شيخ قريب منها، ففسره لهان وبين طريقها التى ستسلكه مع
هذا الشاب، لأنه مريض يداء العظمة، لا يكل ولا يمل من الحديث عن أنجازاته فى
طوكيو، أنا مسألة تدعوا إلى الشك والخوف من المستقبل معه، خصوصا إذا تم هذا
الإرتباط.
بدأت تبتعد عنه
شيئا فشيئا، وبدأ هو أيضا يجلس مع مجموعات من أصحابه يحدثهم عن نفسه فى بلاد
الغربة، أشاعت الفتاة أنها تخلصت من ارتباطة نهائيا، حتى دق بابها خطاب كثيرون،
لكنها تمهلت قليلا حتى توافق على أحدهم، حاول أن يحدثها عن مستقبلهم المحتوم وما
ستصير فيه يعد ما ينفق عليها أمولا طائلة ممن جمعهم فى الغربة، ولكن كانت حنكتها
أقوى منه ففكرت بأنها لا ترضخ بأغوائه عن المستقبل الباهر الذى ينتظرهما، ففى أيام
قلائل ستنفذ أموله خصوصا بعد البذخ الذى أنتابه فى الإنفاق على أصدقائه فى المقاهى
والسهرات المشبوهة التى فاحة رئحاتها، أشمئزت مما يفعله حتى دفعها طريقته بأن
تتخلص منه نهائيا وتوافق على أحد الخطاب الذين يدقون بابها، حتى آتاها شاب ذو سيرة
حسنة، كان ذو قيمة بعلمه وعزت نفسه، فرضت به، ثم تخلصت من ماضيها فى سلة مهملات،
تنظر إلى خطيبها السابق وهو يتحطم ويسقط من نظر الجميع.
مقال بقلم/ فوزى اسماعيل
تحية لرجال كفر الشيخ مفتاح لسعيهم فى عمل الخير اقر وأعترف بأن رجال كفر الشيخ مفتاح...