الأربعاء، 6 نوفمبر 2019

كتاب من تأليف / فوزى يوسف إسماعيل
فوائد للقلب والروح (2)
 ثقافة الاختلاف وقبول الاخر تألـيــف فوزى يوسف إسماعيل مقـــدمة لقد وهب الله عز وجل للإنسان العقل المدبر، وأصبح مكرما فى البر والبحر، وقد حمل الأمانة ولكنه لم يستطع الحفاظ عليها، لأنه فى صراع دائم وراء الجشع والطمع وحب الذات، فلا فكر فى الآخرين، ولا صار على النهج القويم، وقد نكر خلق الله فى أرضه بعد أن ساورته الشكوك والعصيان. والإنسان على وجه البسيطة هو خلق من طين مكرما فى ذاته، وله كل مواضع الاحترام من الملائكة التى خلقت من نور وسجدت له عندما أمرها الله عز وجل بالسجود، والشيطان وحده هو الذى أبى السجود لأنه أعترف بأن الإنسان الذى جعله الله خليفة له فى أرضه هو ما يغفر له سرعان ما استغفر خالقه عند اقتراف الذنب. ولكن الإنسان الآن على الأرض لم يعد إنسانا مطيعا ولكنه أتبع نهج النكران بالجميل، الجميل الذى فعله الله من أجله وهو خلقه بصورة حسنه بصورة مكرمة بين سائر مخلوقاته . 
وقد سخر له الله عز وجل سائر مخلوقاته فى السماء والأرض له، سخر له الشمس والقمر والليل والنهار، وجعل له الجنة يتمتع فيها كيفما يشاء. إن صنوف البشر واختلاف ألسنتهم جعلت الأرض تحظى بالكرماء أولهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتابعين من الصحابة، ومن ساروا على نهجه فكان جزائهم الجنة بلا شك. وجعلت منهم المغضبون عليهم ممن هم فى شك من وجود الله الأعظم سبحانه وتعالى، وجادلوا فى خلق الإنسان والحيوان والجماد فكان جزائهم النار بلا شك. والموحدون هم الفائزون لأن الدين عند الله الإسلام، ولأن أكثر البشر على يقين بأن الله واحد أما الملحدين فهم شر مكانا وأضلوا عن سواء السبيل. والله نعم المولى ونعم النصير.. المؤلـــف . العقل الإنسانى : لقد وهب الله سبحانه وتعالى لكل إنسان ذاكرة، ولا شك أنها نعمة من أفضل النعم، وهذه الذاكرة التى تميز الإنسان عن الحيوان، لأن لولاها ما ميز الإنسان بالإنسان، وقد صار سيد المخلوقات على الأرض، وعرف الجماد والحيوان والخير والشر، ولا بد للإنسان أن يسجد لله حامدا شاكرا على هذه النعمة الكبيرة والعظيمة. وذاكرتى التى استرجع بها ذكرياتى الماضية التى تحدث بحِلوها ومُرها، إذا أردت أن أتذكرها، فهى التى تميز لى الصالح من الطالح، والصادق من الخبيث، والسعادة من التعاسة، وغيرها من الأمور الدنيوية. ولو تخيلت أنك بدون العقل، ماذا ستكون ؟! بلا شك ودون اجتهاد فى التفكير، ستكون مثل حيوان هائج فى فلاَ ، لا تعرف كيف تسير، ولا كيف تفعل، ولا كيف تميز، ولا كيف تهتدى إلى الصواب. مجنون ، كلمة نسمعها كثيرا، فهذه الكلمة تطلق على المختل عقليا، وهى ما تكون كلمة تثير النفس فور نطقها على العاقل الناضج، فقد تحدث فى ثورة وهياج نفسى وعصبى بداخله، وتشعل فيه الغضب، وتنتفخ أوداجه فتصدر منه حالات عصبية من المكن أن تؤدى به إلى تكسير بعض الأشياء. هذه الكلمة يرفضها العاقل المتزن، لأنها تقل من آدميته، وتلغى قدرته عن التفكير لأن التفكير هو أساس المعقل، والعقلاء. ويقول الله تعالى فى كتابه العزيز : 
 وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70) يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (71) وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً (72) 
لقد كرم الله تعالى بنى آدم عند خلقه على سائر المخلوقات التى خلقت على الأرض وأصبح كل شئ مسخر له، من حيوان وجماد ونبات، وسجدت له الملائكة عندما أمرها الله تعالى بالسجود لآدم أبى البشر عليه السلام، رغم أن الملائكة مخلوقة من نور والإنسان مخلوق من طين، إلا إبليس قد أبى عن السجود، واستعظم أن يسجد له، وقال أنا خير منه، لأنه خلق من نار، وآدم خلق من طين فكان جزائه الطرد من الجنة، وقد فاز آدم عليه السلام بالتوبة من الله بعد ما أعترف بذنبه. فعندما خلق الله آدم، خلقه من أخمص قدميه وكان أجوفا، مما كان لإبليس قد أخذ يلف من حوله حتى خلق الله عقل آدم ووهبه الله الروح فقام من فوره، ولولا هذا العقل ما قام آدم عليه السلام وعرف الأشياء حوله، وعلمه الله الأشياء دون الملائكة، وحمل الأمانة بعد أن أبت السماء والأرض بحملها عندما عرضها الله تعالى عليهما. قال الله تعالى : ) إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ) الأحزاب الآية 72 . 
والذاكرة التى تسترجع سعادة الإنسان وآلامه، هى بمثابة القيادة التى تقوده إلى تعمير الدنيا إنسانيا ومعنويا، وانتشار الذرية على وجه الأرض، بما فيها من مختلف الاتجاهات. وعندما نفسر العقل، نجده المدبر الآمر الناهى لحياة الإنسان والبشر أجمعين بمختلف هذه النعمة بالشكر الكثير لله، وأن نوظفها توظفا صحيحا لا عوج فيها، حتى لا يصدر منا شئ يخالف التقاليد ويقال عنك (غير عاقل). والذاكرة التى تحوى أحداث على مر السنوات التى يعيشها الإنسان منذ ولادته سعيدا أو شقيا، يحفر فيها أحداث تبدوا منطقية وغير منطقية ما يذكرها الإنسان حتى ولو مرّ عليها أزمان، ومنها ما ينساها بمجرد عدم ذكراها كثيرا ويمر عليها أزمان فتكون طى النسيان. والمنطقية، كيوم ولادته، لأنها مدونه فى شهادة ميلاده، وكأبيه وأمه اللذان يلازمونه أوقات تربيته، وتعليمه، وتحقيق مسلتزماته اليومية وكذلك رغباته والعيش معه فى بيته، حتى يتشبث بها الطفل الرضيع ولا يمكن البُعد عنهم لحظة واحده، بعد تعوده الرضاعة إلا من ثديها، وأيضا عند كبره لأن الدم يحِن لهما دائما. وبذلك يعرف الحياة من حوله، ويعرف الأب والأم، ويعرف تقاليد عائلته وحيه الذى يعيش فيه، وتربطه صلة مؤكده بمن حوله من أشقاء وأصحاب ومكان وزمان. ويتخذ أيضا معرفته للحياة المحيطة به، وتميزه للأشياء. 
أما الغير منطقية، فلا يخلو أن يمر على الإنسان تهافت من الأحداث على مر السنين فلا يذكرها على الإطلاق كأحداث مضت ليس من المهم تذكرها كلعب الصبية مثلا، وكالطعام الذى تقدمه أمه له كل يوم فيمر عليه الأعوام، ومن المنطقى لا يستطيع أى إنسان أن تذكرها مهما اجتهد فيها بعد مرور شهور وأعوام على حدوثها. لأن العقل لا يستطيع تخزينها مهما يكن. 
فمثلا : لو قدمت لى أمى طبقا من اللحم والأرز وعليهم بعض التوابل وكان ذلك فى 9 من شهر ديسمبر 1922 مثلا فى الساعة الثامنة صباحا، وكان اليوم يوم الخميس، هل ستذكر هذا الحدث بعد مرور سنة على الأقل. لا بالطبع .. فلن تتذكره، ولا يستطيع أى إنسان مهما بلغت قوة ذكائه أن يذكر هذا اليوم والساعة ولا الحدث نفسه، لأن الإنسان بطبيعته يترك الماضى خلف ظهره، لأنه لا يفكر إلا فى الحاضر والمستقبل الذى هو فى علم الغيب. ونعمة النسيان هى بحق نعمه على الإنسان، يراها البعض عيبا فى الإنسان، ويراها البعض أيضا بأنها نعمة وهبها الله على الإنسان، لأنه يستطيع أن ينسى آلامه فمثلا إذا حدث للإنسان حادث أليم فجيع وقد نجى منه ومرّ عليه الزمن ومُحىّ أثره أو خفف عنه وطئت التذكر، فهل هو مستريح أم غير مستريح.. لماذا ؟! فمن رأيى هو مستريح، لأنه إذا نسى الحادث وما حدث له أو لعائلته أو لفرد منها أو لخطيبته مثلا، فقد نسى نزعة الألم الساكنة فى قلبه، وأخمدتها النسيان وأخمد ثورتها فتنطفئ قبل إشعالها، فتسوء حالته، وتظفر دمعته ويبكى كلما ألمته بمصيبته. أما لو كان غير مستريح، ففى هذه الحالة تلازمه النكبة من جراء التفكير فيها، التفكير المتواصل والمستمر، وهنا سيكون دائم الذكر بها غير ناسى ما ألم به من آلام، وتتراقص أمام عينيه مجريات الأحداث، ويرى كآبتها وفظاعتها، وينظر إليها بعدم الرضا. خلاصة القول، أن النسيان من وجهة نظرى هو نعمة وليس نقمة، حتى لا يجتهد العقل فى التفكير بمجريات الأحداث المؤلمة، والتى تمر كجبل يثقل على عاتق الإنسان. أما المستقبل، أولا المستقبل بيد الله تعالى، فلا يستطيع الإنسان أن يتنبأ بما يحدث فيه، لأن الله وحده هو الذى يعلم سره، ونحن لا نسير إليه إلا على الفطرة، لأننا لا نعلم ما هو مكتوب لنا ولا نعلم ما نكسب ولا أين نموت. يقول الله تعالى فى كتابه العزيز : (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ). الآية 34..لقمان 
والمستقبل للإنسان قد بينه الله فى أمور عديدة منها على سبيل المثال، يوم القيامة، لا تقوم القيامة إلا يوم جمعة، كما بشرنا الرسول صلى الله عليه وسلم، لا نعرف ما هى الجمعة التى تقوم فيها القيامة، وإذا فعلت الخير تكون لك الجنة أو سيكون جزائك الجنة، وإذا أِزيت أحد أو خاصمت أحد وقتلت أحد سيكون عقابك النار، هذه المستقبليات بينها الحق سبحانه وتعالى لعباده للسعى إليها .. فمن يعمل مثقال ذرة خير يره ومن يعمل مثقال ذرة شر يرى. أما المستقبليات التى تتعلق بالقيامة والروح والموت لا يَبهَمهَّا العقل الذهنى أين تقع، أين تكون، أين المكان والزمان. حتى الرسل عليهم السلام جميعا كانوا لا يطلعون على ذلك، لقول الله تعالى : )وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا ( حدثنا يحيي بن إبراهيم المسعوديّ، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: " بينا أنا أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حَرَّة بالمدينة، إذ مررنا على يهود، فقال بعضهم: سَلُوه عن الروح، فقالوا: ما أربكم إلى أن تسمعوا ما تكرهون، فقاموا إليه، فسألوه ، فقام فعرفت أنه يوحى إليه، فقمت مكاني، ثم قرأ ) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا(.. فقالوا : ألم ننهكم أن تسألوه. فالروح لا يعطيها الله سرها حتى للرسل أنفسهم، وهنا قدرة العقل لا تستطيع أن تتنبأ ولو بشئ ضئيل فى الاعتقاد بذلك، حتى أن الغرب الذين يتصارعون فى اختراع الأجهزة المتقدمة والمتطورة لا تستطيع الوصول إلى الروح، لأن الروح من ذات العلى الخالق. يقول الله عز وجل: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ( الآية 53 فصلت. هناك العديد والعديد من الأسئلة التى لا يتجرأ الإنسان على سؤالها على ذات العلى الخالق، فالله وحده خالق الكون ومدبر فيه الرزق والموت والبعث، وإننا كبشر نسعى فقط على إرضاء الله وطاعته فيما فرض علينا من عمل كالعبادات الخمس وكما أمرنا عن النهى عن المنكر والفحشاء التى يرتكبها مالا له عقل مدبر يعقل به أين الحسنات وأين السيئات. 
وأن البشر ميسر فى تلك المسألة لأنه لا يملك الروح ولا الموت ولا الرزق ولا البعث، وهذه أمور من الله الخالق لعباده. وخير لأنه يكون العبد مخيرا بين أمرين يتباين فيهما الصالح من الطالح، والخير من الشر، مخيرا عمله وتعليمه وكذلك أمور الدنياويه التى تفعل بيد الإنسان. وهنا يكون تميز العقل هو الأساس فى ذلك، وقد يكون هو المدبر الأول لذلك الأمور التى تخير الإنسان بالدرجة الأولى. ولكن اختلاف العقول تختلف باختلاف الشعوب، واختلاف الألسنة أيضا تختلف باختلاف الشعوب، حيث أن التفكير يختلف من عقل إلى عقل، والألسنة تختلف من لسان إلى لسان. وهناك اللغة التى تميز الشعوب عن الأخرى، فمثلا نزل القرآن الكريم باللغة العربية على سائر الشعوب، يقرأه العربى والأجنبى باللغة التى نزل بها، يقول الله تعالى : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ۗ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ).
 وعند التحدث بالعربية يفهمها ناطق العربية، وكذلك الإنجليزية يفهمها ناطق الإنجليزية والفرنسية والألمانية وهكذا. وهناك الكثير والكثير من اللغات المختلفة فى العالم، على كل الأجناس لا تختلف عند البشر البيض والسود، لأن الجنس هو الوحيد الذى يتعرف على لغته أىٍ كانت اللغة. والجنس البشرى يختلف عن بعضه فى كل دولة عن حدا، فمصر مثلا على سبيل المثال، معظمها جنس بشرى لا يختلف عن بعضه إلا فئة قليلة، يتقارب فى الشكل والنوع، ولا يختلف عن نطقه بالعربية، إلا بالقليل أيضا، كمثلا الإنسان الذى يعيش فى الوجه البحرى يتحدث العامية الدارجة كما ينبغى، يتشابه الإنسان بأخيه الإنسان فى هذه المنطقة، أما الوجه القبلى فتختلف نطق اللغة لا بالكثير فى هذه المنطقة، لأن لغة الصعيد، فمثلا (تعطش الجيم) عن منطقة الوجه البحرى، على سبيل المثال عند نطق كلمة (بقى) يقولها الوجه البحرى (بأه) ويقولها الوجه القبلى (بجى) وإن كانت تنطق هكذا فى منطقة دمنهور. أما فى منطقة القناة يتحدثون لهجة تختلف عن هذه المنطقتين والأسكندرية أيضا. وبذلك تكون اللغة السائدة التى يتحدثها البشر فى المناطق التى ذكرت تختلف من حيث الموطن الذى يعيش فيه الإنسان ويتحضر فيه، ويتعلم التقاليد من الأجداد والأباء. وعند مولد الإنسان فى أيامه الأولى، 
ويشب الطفل على بيئته فيعرف أبيه وأمه ويتحدث مثلهما بعد أن تتردد الكلمات فتمر على أذنه فيستوعبها، مثلا إذا شب الطفل بين أبوين عربيين فيتحدث العربية بطلاقة، وإذا شب بين أبويين يتحدثان الإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية أو الهندية، مهما اختلفت لغتهم فيتحدث لغتهم مثلما يتحدثون. وبالحوار والتواصل دائماً وأبداً هو الطريق الصحيح لحل كافة القضايا العالقة، وهو البديل الصحيح عن فرض الرأي بالقوة، وبالحوار نحافظ على التواصل والمحبة والسلام، ونعمق معاني الديمقراطية والتعاون، ولا يكفي لنجاح الحوار مجرد الدعوة إليه دون اتخاذ خطوات عملية تترجم ما اتفق عليه من قبل الأطراف المتحاورة على أرض الواقع، وتنمي الثقة بين المتحاورين، فإذا لم يطمئن المتحاورين إلى المصداقية في إجراء الحوار، وإذا لم تستبعد العوائق والموانع فيصبح الحوار بدون غاية أو هدف، أو مجرد حوار من أجل الحوار والحوار بين الدول وبعضها هو التقدم الفعلى فى التجانس والترابط فى شتى المجالات، كالتى تتضمن بعض القضايا الهامة والمشتركة على الساحتين الدولية والإقليمية. وحوار الحضارات مهم للغاية لأنه يجعل من التفاهم صفة تحسب عليها الدولة خصوصا الحوار البناء والفعال. فبالحوار تعرف ثقافات الدول وحضارتها، إذ أن المحاورة بين الثقافات العربية والغربية تجعل من شأن الدول وبعضها تجانس وتعامل فى صنع التنمية المستدامة على طول الأمد. كذلك الديانة‘ فإذا كانوا مسلمين فينشأ الطفل مسلما وإن كان مسيحيا فينشأ مسيحيا وإن كان يهوديا فيكون يهوديا، فإن الطفل يولد على الفطرة. ولذلك فى الغرب يتحدثون لغتهم المختلفة فيفهمون بعضهم البعض، مثلما فى العربية، ويصعب على متحدث العربية أن يتعلم الأجنبية بسهولة، ولكن بعد تدريب مستمر يبدأ فى استيعابها والتحدث بها وكذلك فى اللغات المختلفة أيضا. والقدرة الإلَهِيه أعطت للبشرية معجزة جبارة فى تلك الاختلافات على وجه الأرض، لأن كل إنسان يختلف عن الآخر فى العقل واللسان وبصمة الأصابع، وليس لأى إنسان أن يتشابه للآخر حتى ولو كانوا توائم، فالتوأم لا بد من وجود اختلاف، فى الأفكار وفى بصمة الأصابع التى ثبت علميا أن هذه البصمة لا تتشابه مهما كان مولد الإنسان. وهذه القدرة التى وهبها الله للإنسان مهما كثر العدد والأوجه، سواء فى الجنسين الذكر والأنثى، وقد عرف العلماء أن الجينات الوراثية للإنسان تختلف عند إنسان لإنسان آخر. فمثلا إذا ولد طفل من أب عربى وأم أجنبية، فتميل لغته إلى العربية تقصيرا، والأجنبية تقصيرا أيضا، فإذا تحدث الأبوين العربية باسمرار تحدث الطفل بهذه اللغة، أما إذا تحدث الأب والأم بالأجنبية فيميل إلى الأجنبية. وأيضا يكتسب الطفل الملامح السائدة فى الأبوين كالوجه والعينين مهما اختلفت جنسيتهم، أبيض بأبيض وأسود بأسود. وكل شعب يرضى عن لغته التى يتحدث بها، وتكتسبه وطنية لبلده وبيئته، حتى أن الغرب كالصين والولايات المتحدة وروسيا يتحدثون كل منهم بلغة مختلفة يتعارفون من خلالها، ولكن بينهم تصارع فى السباق بالتكنولوجيا الحديثة التى يتسابقون بها عبر الزمن، فتم اختراع المعدات الحربية المتطورة، وتكنولوجيا الحاسوب والأقمار الصناعية التى غزت الفضاء، وقامت الأبحاث فى مختلف العلوم المختلفة. كل هذا تقوم به معظم الدول ليثبتوا دورهم لخدمة البشر ويعظموا من شأنهم بين الدول المختلفة، حتى يظهروا براعتهم فى الابتكارات والاختراعات، وكذلك الأبحاث العلمية، حتى وصلوا إلى نسخ الحيوانات من بعضها، وهذا ما توصل به علماء العالم وكاد أن يكون من أفضل الأبحاث فى وجهة نظرهم، وأيضا الصعود إلى القمر والبحث فى عالم الفضاء. 
والقرآن الكريم هو الذى تنبأ بذلك من قبل، وتحدث عن كل ما توصل به البشر قبل الخوض فى هذه الأبحاث، ولا يعلم الغرب ذلك، لأنهم اتهموا العرب بالتخلف، والتخلف ليس آتى من تخلف العقل فحسب، ولكن التخلف هو تخلف التقدم فى الصناعات والتطورات التكنولوجية، لذلك قالوا عنا الدول النامية، وهم الدول المتقدمة، الدول النامية التى لا تملك تصنيع التكنولوجيا كالأقمار الصناعية والطائرات النفاثة، رغم أن العرب يملكون الفكر والذكاء، بل لا يعلمون أن العرب هم أصحاب حضارة منذ آلاف السنين وعلى مر العصور والأزمان، ولا سيما فى مصر فقط، ولكن هناك حضارة الأندلس وبغداد والحضارات الفارسية والفرعونية والإسلامية والقبطية واليهودية وغيرها من الحضارات. ويميز العقل البشرى هذه الحضارات على اختلاف أنواعها، فتحتفظ للعالم حضارتها، وأيضا تحتفظ للعالم مكانتها المرموقة بين الدول المختلفة. 
وكما هم يتميزون بالتقدم التكنولوجى واكتشاف المزيد من خبايا الكون الفضائى فإن القرآن الكريم هو الذى أعطاهم هذا، وساعدهم على الوصول إليه حتى تتحقق الآية الكريمة : (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ. ( نحن نتميز عليهم بإتباع القرآن الكريم ومتمسكون به رغم أنهم يعرفون أنه الحق، ورغم أن القرآن نزل للعالمين أجمعين، ولكن نختلف عنهم بمعرفة أسراره ومعجزاته التى أظهرها لنا عبر العصور. وإننا أعظم أمة : لقد كرم الله أمة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم بتعظيمها على سائر الأمم السابقة، وجعلها أمة أعظم شأنا، فعند يوم الحشر، تقول الرسل عليهم صلوات الله نفسى نفسى ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم أمتى أمتى. وكما بشرنا الإسلام أن أمة محمد صلى الله عليه سلم أمة المسلمين مبشرين بالجنة إذا اتبعوا نهجه وصاروا على الطريق المستقيم، والكفار لهم النار. لذلك فإن الإسلام أعطى للبشرية حرية الاختيار، إما الجنة وإما النار. وهذا العقل المفكر الذى يبحث عن تصديق العقل لهذه الرسالة بعد البحث المضنى فى هذه القضايا وإن كان على ملة الإسلام، ليصل إلى حقائق من أجلها يتبع الصواب وتظهر أمامه الجانب الحقيقى لتلك المبشرات، ويعرف أن هذه المبشرات حق، فيتبعها على اقتناع، دون الحاجة إلى اجتهادات تأخذه إلى اللحود. وقد تجلت القدرات الآلهية التى حدثت منذ ظهور الإسلام وفى الأديان السابقة أيضا والتى تمثلت فى معجزات الرسل وعلى رأسها نزول القرآن الكريم. هذا يجعل الإنسان يقتنع عن ظهر قلب أن الله حق والإسلام حق ومحمد صلى الله عليه وسلم حق، والبعث والحساب حق، فيؤمن بالله وبالرسول محمد صلى الله عليه وسلم وبالإسلام دينا. والمسلم يؤمن بجميع الديانات السابقة ليكتمل دينه وينال رضا الله سبحانه وتعالى. والغرب يتربصون بالمرصاد للعرب، ويشنعون عليهم ويلقون عليهم بالاتهامات وما هو أخطر من ذلك، فقد اتهموهم بالإرهاب وقاموا بترويع أطفالهم ونسائهم وحطت عليهم اللعنات حتى فهموا ما بينهم أن العرب أعداء البشرية. وكل ذلك نعلمه جيدا ما هو إلا افتراءات كاذبة على الإسلام لأن ما جاء إلا بالسماحة والإخاء لأهل الكتاب، وما هو بعدو ولا مخرب ولا مدمر. وقد جاء بالحق كما علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم ونهى عن التعصب والقتل والسرقة.. إلخ. وليس للعقل البشرى أن يتجه اتجاها إيجابيا نحو تفسير الإسلام بأنه الحق، ولكن العقل البشرى يتجه اتجاهات اختلافيه خصوصا الذى يعيش فى أمريكا وإيطاليا وفرنسا والدول المتقدمة، باعتبارهم يملكون ترسانة تكنولوجية جبارة، تجعل الإنسان دائم التفكير فى الاختراعات والاكتشافات الدائمة، وهم يقنعون البشر على الصعيد العالمى أنهم القادرون على خلق التكنولوجيا الحديثة، وهم أفضل البشرية على الإطلاق. فالدنيا لا تساوى عند الله جناح بعوضة. 
فكيف يكون للبشر السلطة والهيمنة على وجه الأرض، وكيف لا يعترفون أن الله حق وهو الذى أمدهم بتلك الأفكار التى قادتهم إلى اختراع الصاروخ والطائرة. ألا يعلمون أن الله يسلط أبدان على أبدان فهناك دول كثيرة تفنن فى اختراع الأسلحة، وأنواع الأسلحة كثيرة ومتنوعة، خصوصا القنبلة النووية التى تمتلكها دول كثيرة مثل أمريكا وروسيا والدول الكبرى. واعترفوا أن هذه القنبلة هى أخطر وأفتك سلاح ظهر على وجه الأرض، وأثار تدميره بفظاعة، كما حدث فى هيروشيما، وقد قامت هذه الدول بصنعها لتهديد العالم بالدفاع عن نفسها. وغزت هذه الدول باختراعها الفتاكة الجو والبحر والبر، فكان من ترويع الآمنين لا محالة، وهددتهم بالتدمير والوعيد، وهذا ينطبق عليه الآية الكريمة : (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ). وجاء التنبؤ لهذه الآية بعد ما ظهر الفساد فى البر من اكتساح عارم للأدخنة التى تبعث من مصانع الكيماويات والسحابة السوداء الناجمة من حرق قش الأرز والقمامة والتى غيرت من تلوث الجو، وأيضا الفساد العارم من عدم الحفاظ على البيئة بشكلها الأول، غير فساد البشر من حروب وفظائع وورع للآمنين وهناك أمثله كثيرة وكثيرة تضر بالبشر وبالحيوان والزرع على السواء. وأيضا الفساد فى البحر بتلوث المياه بالمجارى الصلبة، والقمامة التى تلقى فيه، والرصاص والمنجنيز والفسفور، ويزيد على ذلك ملوثات البترول وما شابه ذلك. ولكن الإنسان يذوق ما خرب يده، فلا يستطيع أن تتذوق المياه كما كانت على سابقها، فلا طعم للمياه ولا طعم للثمار التى هُرمُنَت وهى على شجرها بمواد كيماوية مضرة للإنسان. 
 (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) .. سورة الملك، الآية: 2 فالدنيا لم تخلق للعبث وللقتل والنهب وما شابه ذلك، وإنما خلقت لبقاء النوع إلى يوم القيامة، فالله تعالى جعل خليفته على الأرض الإنسان ليعمر فيها حتى يكون الذرية والذرية تعمر وتسلم ما بعدها من أحفاد حتى تنتهى إلى ما شاء الله. وهى دار ابتلاء وامتحان للعبد، ودار متاع إلى يوم الآخرة، فهى زائلة غير الآخرة التى هى باقية. صفات الحياة الدنيا ما ذكرت صفة للحياة الدنيا فى القرآن الكريم، إلا وكانت فى سياق التحقير لقدرها ومكانها بإزاء الحياة الآخرة، لذلك كانت كل صفتها عيوبا وهى خمس عيوب : متاع، ومتاع الغرور،اللعب واللهو، والزينة، والتفاخر والتكاثر فى الأموال والأولاد. هناك فى كل مكان على الأرض ما هو عديم الضمير، الذى يسلك طريق الفساد فى كل المجالات، ليست من ناحية الغذاء والمياه فحسب، ولكن فى مجالات شتى، فى التجارة والصناعة، فلم يبقى فى الأرض شئ إلا وكان للفساد فيه دورا أساسيا. ففى الغرب ما يصنعونه بأيديهم يحاربون أنفسهم بها، فتشترى دولا صناعتها بأبهظ الأموال، لتتسلح بها وتنشأ لها ترسانة قوية للردع إذا حاولت أى دولة للاعتداء علها، فإذا تربصت لها مثلا الدولة التى باعت لها تلك الأسلحة فيوجهونها لردها عن الاعتداء، وربما تنشب المعارك وتحمى ساحة المعركة، فيقومون بضربها بنفس أسلحتهم التى فتنوا فى تصنيعها. تمتلئ معظم الدول بحرب العصابات، لا سيما القتل وغيره فحسب، ولكن إذا أرادت قوة أن تظهر على الساحة بلا منافس ويكون لها الرياده، فمن الطبيعى أن تتخلص من التى تنافسها. وأيضا التى تعلن عن ابتكار جديد ليس كنظيره عند بداية تصنيعه يكن نهايته وهو فى المهد، وما أكثرها أيضا عقول شريرة تخطط وتدبر وتنفذ. والعقل فى حرب العصابات، أساسه نوازع الشيطان التى تسيطر على عقول الفرد والجماعة، تتجمع على الشر لترويع البشر من خلال الأوامر الصادرة من رئيسهم المدبر الذى يأمر وينهى، والرأس المدبرة ساكنها الشيطان، فلا تعرف الرحمة ولا الإنسانية، إنما تعرف التخريب والتدمير فقط حتى ترضى غرورها. وعند الفحص فى العقل من هذه الجهة فنجد صاحبها ليست عنده نزعة إيمانية ترق قلبه فتمنعه عن ارتكاب المعاصى، وقتل الأبرياء والأطفال الصغار والنساء الذين ليس لهم ذنب والشيوخ أيضا، وقد سيطرت على ذهنه فكرة السيطرة بأنه القوى الآمر الناهى، فمن الطبيعى أن يأمر أتباعه بالسرقة والقتل المتواصل، فتقبح وجهه لصورة شيطان لا تطاق النظر إليها، لأنها تكسوها الغشاوة وقبح الشيطان. والفعل .. لا بد ومن المؤكد أن فعل هذا الإنسان الذى يحركه الشيطان هو إذلال النفس، وخسائر الكرامة والعزة، ولا بد ومن المؤكد أن جزاءه شر الجزاء، لأنه لا يصدر منه إلا أقبح الأفعال. أما النزعة الإيمانية : يمتلكها الإنسان المؤمن العاقل المتزن الذى يزن الأمور، ويعلم أن المؤمن هو الفائز فى هذه الحياة، وأن الحياة الدنيا غروره لا تنفع ولا تضر لأنها زائلة، كما قال عنها سيدنا نوح عليه السلام عندما سئل عن حياته التى عاشها، فقال : كأنما دخلت من باب وخرجت من الآخر. وكان سيدنا نوح عليه السلام هو الذى عاش ألف سنة إلا خمسين عاما، فمهما طال عمر الإنسان لابد من يوما سينتهى أمره، ويدفن تحت التراب، لأن كل البشر واحد، ليس للغنى سلطة على الفقير ولا للفقير أن يكون له سلطة على الغنى، والفقير له احتياج والغنى له احتياج، ووسيلة المال بينهما، فيملكه من يتمتع بذكاء، ولكن هذه المقولة خطأ بالفعل لأن الله هو المقدر للرزق، فهو يرزق من يشاء، وهو المذل، فهو يذل من يشاء، وبيده الخير، وهو على كل شئ قدير. وقضية الرزق هذه ليس ليد الإنسان أن يتحكم فيها لأن الله وحده هو المتصرف الوحيد فيها. فاختلاف الناس عن بعضهم البعض فى مسألة الرزق لها حكمة بالغة لا يعلمها إلا القادر، ولقد جعل الله الفقير والغنى حتى يكونوا دائما فى احتياج لبعضهم البعض، ولا يكونون فقراء فقط فتزول الدنيا ولا يكونوا أغنياء فقط فتتفاقم جحدا وغيره. ولا بد من العقل البشرى أن يعترف اعترافا مطلقا بأن حياة البشر حلوها ومرها ما هو إلا مكتوب عند الله منذ ولادتهم، فالرزق وساعة الممات وإن كان سعيدا أو شقيا كتب للإنسان عند نفخ الله تعالى فى الجنين وهو فى بطن أمه بالروح. يوجد فى العالم آلاف النوع من البشر، مثل الذى فى مصر غير الذى فى المغرب رغم أنهما يتكلمان العربية، ولكن هناك الاختلاف فى بعض النطق مثلما وضعنا فى مصر العليا ومصر الوسطى، ليست لهجة البحاوره مثل لهجة الصعيد. كما أن اللغات فى البشر فى جنوب إفريقيا، وأسيا وأوربا وأمريكا مثل البشر الذين يعيشون فى الغابات والوديان، لا بد وأن لهم حضارة مختلفة غير الذين يعيشون فى الحضر، المتحضر بأحدث التكنولوجيا. البشر الذى يعيش على صيد الحيوانات والأسماك من البحار غير الذين يعيشون على الراحة والرفاهية. وهناك أشكالا وأجناسا كثيرة تراها تتخذ طقوسا غريبة، نراها مثلا فى جنوب إفريقيا، ويقال أنها أكلة البشر، وحدثت فى تلك المسالة حوادث كثيرة تدل على ذلك. أما العربى وخصوصا المسلمة والمسيحية يحرمون أكل البشر، هنا تختلف عقول البشر باختلاف مواقعها، فتفكر تفكيرا يرتبط بالبيئة التى تعيش فيها. فإذا عاش إنسان فى بيئة صالحه، تطبعت نفسه بالرأفة والإنسانية، وقادته إلى فعل الخير ومساعدة المحتاجين، ويخيم عليه فعل ذلك لأنه على يقين من محاسبته فى الآخرة. وكذلك إذا عاش فى بيئة فيها صراعات عرقية، لا بد وأن تقوده نفسه إلى حمل السلاح والدفاع عن نفسه وعن وطنه. وليس الاختلاف فى البيئات فقط، إنما يحظى العالم باختلافات شتى فى جميع الأفعال والأجناس والتفكير، لأن كل إنسان له تركيبه الطبيعى الذى يختلف عن أخيه. * * 
بصمة الأصابع : 
والبصمة التى جعلها الله مختلفة عن الآخر، حتى لا يستطيع الإنسان ان يختلط مع الآخر، كما يحدث الآن فى اكتشاف بصمة على سكين قتل بها شخص ما. تتحقق الأدلة الجنائية من وجود البصمة فتصل إليها وتتوصل إلى صاحبها حتى ولو كان مجهولا، لأن البصمة تختلف من إنسان لآخر، وهذه حكمة الله تعالى وقدرته، ولا يختلط الفاعل عن البريئ، ويكتشف الفاعل حتى ولو بعد حين. حتى فصائل الدم فيوجد فصائل متشابهه فى كثير من الناس إنما تكون متنوعة مثل : O و A وB AB وغيرها، وأنواع متعددة من الفصائل. والفصيلة التى يتمتع بها الإنسان أى إن كانت نوعها، فهذه نعمه جعلها الله للإنسان حتى تكون مضخة الحياة للقلب. فإذا احتاج إنسان دم من نفس الفصيلة، سيلقيها حتما فى إنسان آخر تكون فصيلته مثل فصيلة المريض، فيحيا الإنسان المريض وتضخ دمائه من جديد. كانت من عظيم النعمة على الإنسان، لذلك لا تغلب الأطباء فى وجود الدماء من الفصائل المختلفة، لأن لكل إنسان له المقدرة على التبرع بالدم، وبذلك يحيا أخيه الإنسان مثله ويتمتع بالحياة. الأبيض والأسود : الدين الإسلامى الوحيد الذى أنصف الأبيض والأسود على السواء. لا يوجد فى الدين الإسلامى التفرقة بين لون البشر، إن كان أبيض أو أسود لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال فى حديث شريف : قالَ رسولُ اللهِ "صـلى اللهُ عليهِ و سلـم " : ( لا فرق بين عربي و لا أعجمي و لا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى ( صدقَ رسول الله صلى الله عليه و سلم . والله سبحانه وتعالى لا ينظر إلى المرء من وجوههم وملابسهم ولكن ينظر إلى قلوبهم، لأن التقوى فى القلوب، والتقوى فى العمل الصالح. (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثً) واللون لا يهم فى الإسلام، فكم من أسود قلبه ملئ بالتقوى والعمل الصالح، مثل مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم، بلال أبن رباح. كان بلال أسود اللون لكن الرسول عليه الصلاة والسلام يحبه حبا شديدا حتى لقب بمؤذن الرسول. وكانت تقواه تفوق كثيرا من البشر البيض، لذلك كانت مسألة اللون عند الإسلام قد حددها بحد قاطع، ليس من المعقول للبشر البيض أن ينبذوا تلك البشرة السوداء ولا يحرمون حقوقهم عليهم، لأن البشر سواء كأسنان المشط، كما قال صلى الله عليه وسلم : الناس سواسية كأسنان المشط .. وقال عمر: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً). وقال الله عز وجل : 
(يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُم). والأرض واحده خلقها الله تعالى لجميع البشر الذين يعيشون عليها فى أرجاء الأرض من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، تشرق عليهم شمس واحده وقمر واحد. وهناك فى بعض الدول انقسامات وحروب بسبب هذا الاختلاف فى اللون، بذات الأسود، وهناك أيضا البشر الأبيض يحاربون السود كمقاطع فى أمريكا وشيكاغو وغيرها. أما فى مصر عندنا لا فرق بين هذا وذاك، لأن الدين الإسلامى أمرنا بذلك، والقرآن الكريم والأحاديث النبوية تشهد بذلك.فالبشر الأبيض يعيشون بين السود، والسود يعيشون بين البيض فى بيئة واحده على السواء، لا فرق بينهما إلا بالتقوى والعمل الصالح. 
وفى المقاطع الأوربية تبدو مسالة الإنسان الأسود مشكلة كبرى، فتقوم من أجلها الحروب والقتل المتواصل بينها لأن كل منهم يريد أن يأخذ مكانة عن الآخر وأن يكون متميزا عليه. وكان السياسيون فى أمريكا يرفضون أن يحكمها أسود، وظلوا على ذلك عدة قرون متشددين، ومختلفين على هذا الموضوع، ومن قريب كانت تلك القضية مثارة بين العرقين فى ولايات عده من ولايات أمريكان حتى وصل إلى كرسى الرئاسة الرئيس الأمريكى أوباما. وأوباما هو من أصل أفريقى، وبشرته تميل إلى اللون الأسمر، وقابلوه الشعب الأمريكى ببشرته، وبكل ما جاء به من وعود. والعقل هنا يبدو متفتحا فى اختيار الرئيس الأمريكى رغم أنه يميل إلى السمار. والسياسة التى عرضها الرئيس أوباما جعلت الأمريكين لا ينظرون إلى اللون فقط، وإنما إلى من يخلصهم من ويلات الحروب العراقية وأفغانستان، ولا بد من الرئيس أن يحافظ على شعبه ويخرج بهم من هوية الدمار، والحروب التى انغمسوا فيها منذ تولى الرئيس السابق. وخلاصة القول فى هذا الموضوع . أن الأبيض والأسود هما بشر واحد، لا فرق بينهما، ولا إنصاف لون على لون، لأنهما فى مركب واحد، عبادا أتقياء لله وحده، خاضعين لا يسألون الناس إلحافا. ولأن الذرية تتواصل حتى يوم القيامة، فإن ناموس الأرض الذى شرعه الله عز وجل هو الزواج وإنجاب الخِلفه لتكون أجيالا متعاقبة على مر العصور والأزمان .. إن الذرية التى تعمل على إبقاء الإنسان حياة طويلة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. والذرية التى ترث الأرض أعوام وراء أعوام، فكم من قرون مضت وفَنت أصحابها وكم من قرون مضت ومضى ذكراها. والزواج هو الوسيلة الشرعية التى تنشأ بين نوعين الرجل والأنثى، أو الرجل والمرأة، منذ آدم وحواء عليهما السلام، والزواج شرعه الله تعالى فى كتبه السماوية، وجعله أعظم درجات الحياة على وجه الأرض وامتلاءها بالبنين والحفدة. كما قال الحق سبحانه وتعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ). 
وقد كرم الله الإنسان فى البر والبحر وجعله مميزا على سائر المخلوقات إذ سخر كل شئ فى الحياة للإنسان وكان الإنسان جحودا. فعلينا أن نشكر الله تعالى على نعمه التى أنعمها علينا جميعا وسخر لنا الدواب والجماد ومهد لنا الأرض بكل ما فيها وجعل لنا السماء سقفا محفوظا. والرزق الذى يتصارع عليه الإنسان، ليس بيد البشر أن يرزق أخيه ولو كان على جبل من ذهب، لأن الله تعالى هو الذى يوزع الأرزاق على سائر البشر فيجعل من يشاء غنيا ويجعل من يشاء فقيرا، لأنه إذا كانت البشر جميعا صاروا أغنياء فتتولد الحقد والكراهية، والحـــقد والسخـط يتفشىى بين قلوب البشر جميعا.. إنما وزنت الأمور بموازين معتدلة فوجد الغنى والفقير حتى يحتاج الغنى للفقير والفقير للغنى.. كما يحتاج الصانع للتاجر والتاجر للصانع، الكل يخدم الأخر، وجعلت الحياة مختلفة بين سائر البشر فكل إنسان أعطاه الله شئ مختلف عن الآخر. 
والرزق الذى قدره الله عز وجل لعباده هو من عنده، لان الله تعالى قال : وفي السماء رزقكم .. أي المطر المسبب عنه النبات الذي هو رزق «وما توعدون» من المآب والثواب والعقاب أي مكتوب ذلك في السماء. تفسير الميسر وفي السماء رزقكم وما توعدون من الخير والشر والثواب والعقاب، وغير ذلك كله مكتوب مقدَّر. * * يقول الدكتور محمد سيد طنطاوى.. فى الوضوح من مميزات شريعة الإسلام. أوجد الله تعالى.. الناس فى هذه الحياة، وسخر بعضهم لخدمة بعض، بحيث لا يستطيع أحدهم أن يعيش فى عزلة عن غيره، بل لا بد من وجود التعامل بينهم فى شتى مطالب الحياة وهذه معنى قولهم: الإنسان مدنى بطبعه. أى أن الإنسان محتاج إلى غيره فى غذائه، وشرابه، وكسائه، ودوائه، وغير ذلك من شئون حياته، ورحم الله القائل : الناس للناس من بدو وحاضرة بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم وقد أشار القرآن الكريم فى آيات متعدد إلى هذا المعنى، ومن ذلك قوله تعالى : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ). سورة الزخرف : الآية 32 أى : نحن بقدرتنا ورحمتنا وحكمتنا، قد قسمنا بين الناس أرزاقهم فى الدنيا، ولم نترك تقسيمها لأحد. ونحن الذين تولينا تدبير هذه الأرزاق، وتوفير أسبابها، ولك ندركها لأهواء الناس، ولعلمنا بعجزهم وقصورهم واختلافهم فى تفكيرهم وفى تصرفاتهم. ونحن الذين رفعنا بعضهم فوق بعض درجات فى الدنيا، فهذا غنى وذاك فقير، وهذا خادم وذاك مخدوم، وهذا قوى وذاك ضعيف. وقال : قد نظمت شريعة الإسلام التعامل بين الناس تنظيما حكيما، يقوم على الصدق، وعلى العدل، وعلى السماحة، وعلى التراضى في بيعهم وفى شرائهم، وفى أخذهم وعطائهم. ومن مظاهر ذلك : أنها أباحت لهم تبادل المنافع فيما بينهم، وعن طريق البيع أو الشراء، أو الإجارة أو الرهن أو الوكالة أو الصلح، أو غير ذلك. أباحت شريعة الإسلام للناس : أن يتبادلوا المنافع فيما بينهم عن طريق البيع أو الشراء لتحقيق مصالحهم وتلبية حاجاتهم، كما قال سبحانه وتعالى : (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا). المائدة الآية 2 وأباحت لهم أن يتبدلوا المنافع عن طريق الوكالة، تيسيرا على الناس فى قضاء مصالحهم، إذ ليس كل إنسان عنده القدرة على مباشرة جميع شئونه بنفسه، فكانت الوكالة نوعا من التعاون الذى أمر الله تعالى به فى قوله : (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) . المائدة الآية 2 كذلك أباحت شريعة الإسلام لأتباعها أن يتبادلوا المنافع فيما بينهم عن طريق الصلح ففى الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال : الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما، والمسلمون على شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما. وإذا كانت شريعة الإسلام قد يسرت على الناس معاملاتهم، فإنها فى الوقت ذاته قد حرمت عليهم كل معاملة يخالطها الظلم أو الغش أو الخديعة أو الابتزاز أو غير ذلك مما نهى الله عنه. لقد حرمت، الاحتكار، ومعناه : شراء الشئ وإخفاؤه ليقل بين الناس، فيزيد سعره عن حدود الاعتدال، فتضطرب أحوال الناس، وقد حرمت شريعة الإسلام ذلك تحريما قاطعا، ففى الحديث الشريف، قال صلى الله عليه وسلم : من احتكر فهو خاطئ، أى : بعيد عن الحق. حرمت شريعة الإسلام التعامل الذى يشوبه الغش أو الظلم أو الخداع أو الحلف الكاذب ففى الحديث الشريف : من غشنا فليس منا. وفى حديث آخر : إياكم وكثرة الحلف فى البيع، فإنه ينفق ثم يمحق، أى : فغن كثرة الحلف فى البيع قد يؤدى إلى رواج السلعة، إلا أنه بعد ذلك يزيل بركتها. وكثيرا ما نرى فى هذا الزمان صراع شديد على من يكسب أكثر ومن يفوز بنصيب الأسد فى الغنيمة بالغش والخداع والقتل، ولقد انعدم الضمير فى قلوب البشر بعدما اتجهوا إلى الكسب الغير مشروع، والكسب السريع، والنصب على البشر هو الوسيلة التى يتبعوها عادمى الضمير، كما نرى فى موضوع المسابقات المزيفة التى تهاجمنا كل دقيقة عبر الفضائيات. والخوض فى موضوع المسابقات له باع طويل يعانى منه ذو العقل المميز الخطأ والصواب، لأن هناك من هو ضعيف النفوس والإرادة، يترقب شئ كهذا المثيل معتقدا أنه سيكسب مبلغا من المال أو سيارة فى اتصال ببضعة قروش، وهذا فى حد ذاته افتراء وليس لمكسبه حلال، إنما هو حرام حتى ولو كانت حصيلة هذه المسابقات الملايين. وتأكيدا بأنه حرام شرعا لأن الدين حرم خداع الإنسان بكل صوره وأشكاله. وهناك العديد من الأمثلة التى على الإنسان أن يتنبه لها عند الخوض فى أى مسابقة. أولا، أن يحكم الإنسان عقله، لأن لكل إنسان عقل لا بد وأن يميز به كل شئ بحكمة واقتدار، ولا بد وأن يعرف به الصالح ومنى الطالح والمصلح من المفسد، ولا يلقى بنفسه إلى التهلكة. ثانيا، عليه أن يعرف جيدا أن هذه المسابقات وهمية لجذب أكبر عدد ممكن من عديمى العقل للحصول على المال منه بسهولة. ثالثا : عليه أيضا أن يعرف أن الذين يظهرون على شاشات التلفزيون مدعين أنه فاز بمبلغ كذا وكذا ما هو إلا ترتيب مع صاحب المصلحة، بظهور أحد الأقارب أو أحد المشتغلين فى هذا المجال ليصدق الجميع أنه فاز بالفعل. ولقد راوضتنى حكاية حدثت بالفعل، سأعرضها لأنى أرى فيها خداع الآخر للسذج. فى بعض المسابقات التى أجريت على شاشة التلفاز، اتصل شخص عبر الهاتف بالمسابقة، ومن إغراء المسابقة ظل متواصلا معهم فى الاتصال حتى ظل مدة طويلة سحب من خلالها الرصيد، وظلوا يقولون له لقد اقتربت من الحل، فما كان قد توصل للحل وفاز بالجائزة وهى سيارة، وأبلغوه بذلك وما كان منه قد ملأ الدنيا فرحا وابتهاجا، وقامت أسرته بالفرح والزغاريد حتى ميعاد تسليم الجائزة. وفى يوم تسليم الجائزة، كانت المفاجأة، سلموه سيارة لعبة لا تتعدى عشرون جنيها، فما كان من الرجل أن أغمى عليه وفارق الحياة فى لحظات. هنا عنصران أساسيان، أساسهما العقل. الأول وهو المعلن الذى عرف كيف يدخل على الضحية، وينصب حولها شباكه والتى تحققت أغراضه وفاز بمبلغ كبير منه بعد المكالمة الطويلة. والثانى هو المتصل أو الضحية الذى صدق كذبه بأنه سيفوز بسيارة بالفعل، سيارة يصل ثمنها ستون ألف جنيه كما جاء فى الإعلان، وهذا الإغراء قاده للتواصل فى المسابقة حتى ولو كلفه شحنة أو شحنتان. 
وراح ضحيتها فى لحظة، وهذا يدل على أن تحكم العقل فى اختيار أو تبيان بعض الأمور يؤدى لا محالة على الهلاك كما حدث له. تلك هى المعوقات التى تخوض الإنسان إلى حفر الهوية، بعد ما قلدنا الغرب فى معظم أفعالهم وكان من السهل أن يقع الإنسان فريسة حتى ولو تذاكي واعتقد أنه الفارس الذى يأتى بقطعة اللحم من حنك السبع. كما أنى قد خضت تجربة نصب، ولو لم أحكمت عقلى لكنت قد وقعت فريسة لهم، وهى : عندما كنت فى مشوار ما فى القاهرة، أوقفنى شخص ممن يتفنون فى النصب قال لى هذه الورقة إذا أزلت منها الورقة الصغيرة لكسبت جائزة قيمة، وكانت الورقة عليها سبع ورقات ملصوقة عليها، فقمت وأزلت أحداها وكان نصيبى رحلة أنا وزوجتى إلى بلد ما ففرحت، واصطحبني إلى الداخل حتى قبلت مديره فهنأني بشده، ثم أجلسنى أمامه وقال لى لقد فزت بالرحلة، ولكن قبل أن تحصل عليها عليك ان تعطينا أربعون جنيها وستأتى أنت وزوجتك يوم ما حتى تسعد بالرحلة، قلت له سأعطيك المبلغ عندما آتى يوم الرحلة، فرفض وظل يلح علىّ بشده حتى أعطيه المبلغ.. لكنى بفطنتى قلت له أنى أعمل فى الصحافة وهذا كارنية الصحافة، فتراجع على الفور ثم تأسف لى وخرجت على الفور. هذا النصب كثيرا ما نلاقيه فى أماكن عديدة، ويكون ضحاياه المندفع لهذه المسابقات الوهمية، تقوده شهواته وإغراءاته على شئ يجهله فلا يرى نصب عينية إلا المال الذى سيحصل عليه بعد قليل لا ينظر إلى خداع من أمامه. والنصب من الآخر له أوجه متعددة حتى ينال أو يحقق رغبته الدنيئة، فالنصاب له أساليبه الخاصة للسطو على من ينصب عليه، لأنه مجرد أولا من الإنسانية، فلا يهمة أكل ربا ولا أكل حرام ولا أكل سحت، بل أنه يتشدق لوقوع الضحايا أمامه، وهو غافل عن مراقبة الله عز وجل له، لأنه إذا استيقظ ضميره سيبتعد عن هذه الرذيلة، لأن العبادات تحرم المنكرات، وهذا ما نراه على أرض الواقع اليوم، ففى خديعة لإحدى الفتيات التى كانت عند عودتها من العمل، تسمع نداءات تاجر لتمر أعجبها السعر حتى اشترت ثلاثة كيلو منه ودفعت ثمنه، كان يبهر العين لونه أحمر أخاذ، وعندما وصلت لمنزلها أفرغته فى الماء لتنظيفه فإذا بها وجدت المفاجأة، أزيل اللون وصار التمر أخضرا. هذا جانب من النصب على الآخرين. فهل هذا الآخر لا يعلم مطلقا تعاليم الدين الإسلامى، أم أنه أحلا حراما ليأكل من حرام فيكون ملبسه حرام وأكله حرام ومشربه حرام، ومن هذا كثير وكثير ممن ينصبون على ضحاياهم بلا رحمة ولا شفقة، وإذا كان الإنسان يُقاد إلى التهلكة الذى لا يعلم عنها شيئا، فليس كل الناس متعلمون، فهل جزاءه جهنم ، كما قال صلى الله عليه وسلم فى القتل، القاتل والمقتول فى النار.. فقال أحد الصحابة هذا القاتل يا رسول الله فلما المقتول، فقال لأنه كان حريصا على قتل صاحبة. والمنصوب عليه، أو المجنى عليه كما يقولون رجال قانون، ليس حريصا على النصب على التاجر، فقد زين له التاجر بضاعته فى ذهنه حتى أغراه على شرائها كما يغرى الشيطان فريسته الإنسان لارتكاب رذائله. ونحن جميعا بنى البشر علينا أن نجعل العقل الذى وهبه الله عز وجل لنا أن يسير أمورنا بجدية وعدم اختيار الأشياء دون تفكير مره ومرات حتى نعود على بر الآمان. وليس لنا أن نتبع كل ما يفعله الغرب، لأننا نختلف عنهم فى كثير من التقاليد وكثير من الأفعال والحضارات، وان نسير دائما على منهج الإسلام القويم الذى علمنا أن نتبع الطريق المستقيم، وأن نتحلى بتعاليم الإسلام السمحة.ويبدو أن العالم الآخر لا يعرف شيئا عن أوامر الإسلام التى تجعل المسلم فى مأمن مستمر، وأن الإسلام هو الدين الدستورى للحياة لأنه جاء شاملا لكل الديانات السابقة، وأن القرآن الكريم لا يترك شئ إلا وأحصاها، ففيه حلا لكل القضايا الدنيوية من شرقها إلى غربها، وهذا الدين سيستمر فى الكتاب المحفوظ إلى يوم القيامة، وأن الله عز وجل يحفظه من جميع الخلائق. ويبدو أيضا أن القوى العظمى فى العالم قد سيطرت عليهم هيمنة الشيطان فى ضرورة امتلاك المال والبترول والتكنولوجيا فقام الصراع على الاستحواذ على تلك الثروات الكبرى التى من أجلها تفنى أمم وشعوب. ولقد ظلوا فى هذا الصراع من بداية الخليقة حتى الآن وإلى أن تقوم الساعة، فأول هذا الصراع من أجل امرأة، لما تصرعا قابيل وهابيل على زواج الفتاة الجميلة وقتل أحدهم، ثم أن الذين يقتلون البشر بالآلاف من أجل تعصبهم الأعمى والغاشم، سيظلون فى هذا الإثم الكبير ما داموا بعيدين عن الله عز وجل. والمنظور الحقيقى لهذه القضية تكمن فى اختلافات التفكير للخروج من هذه الدائرة المظلمة. 
فهناك من يعلم جيدا بواطن الأمور قبل أن يخوض فى اتخاذ قرار مفاجئ يؤدى به إلى الهلاك ، فمثلا : ما حدث فى حرب 1973 بعد الهزيمة فى 1967 كان الناس على أرض المعمورة مصر تطالب برد الحقوق من العدو الغاشم، وكانوا يطالبون القيادة العليا باتخاذ قرار الحرب، والقيادة العليا هو رئيس الجمهورية ومعاونيه من وزير الدفاع فى المرتبة الأولى. وقرار الحرب ليس هينا على رئيس الجمهورية الذى لا يعرف إن كان بالنصر أو الهزيمة، وقبل أن يتخذ قرار كهذا يقوم أولا بإعداد الجيش والسلاح وإلا سيمنى بالهزيمة، وكان من حكمة رئيس الجمهورية أن يدرس كل ما يدور فى المعركة بحكمة أولا حتى يصل إلى القرار الصحيح قبل أن تكون الكارثة المدوية التى تزيد على عاتق الشعب أكثر لا قدر الله، وإنما ظل يدرس كيف يخوض معركة كهذه لأنه يريد أن ينجح ويسترد هيبة الشعب المصرى وتعود سيناء لمصر. كانوا قد ألهوا الشعب المصرى فى عدة أمور حتى تصل المعلومات الصادرة من القيادة إلى إسرائيل، وأفهموهم أنهم لا يقدرون على الحرب فى هذه الأيام، وبالفعل وصلت المعلومة إلى إسرائيل فاطمئنوا جميعا أن مصر لم تدخل حرب أخرى. والشعب المصرى ساخط على كل شئ مما أعطى الاطمئنان الكامل لإسرائيل، ولكن القيادة المصرية أغلقت عليها الباب لتتواصل فى التفكير العميق لرسم خطة العبور. وفى الوقت المحدد وفى لحظة الصفر، أشعلت القوات المصرية النار على طول خط بارليف وقامت الحرب الشرسة على العدو بكل قوة. وكانت ملحمة لم يصدقها العالم أجمع حتى إسرائيل نفسها ذُهلت من المفاجأة، وانتصر الشعب المصرى ورجعت سيناء إلى مصر الحبيبة وقامت الأفراح. كل هذه الملحمة التى دارت على طول المواجهة فى حرب 73 أساسها التفكير بكل دقة، وحساب كل خطوة تدب على أرض سيناء فى مختلف الأسلحة، وتدمير خط بارليف الحصين فى دقائق معدودة، لقد قاموا باتخاذ القرار الحكيم فى الوقت المناسب ومنية مصر بالنصر. وأساس التفكير هو أن يوظف التفكير السليم فى المكان الصائب الذى لا يضر الفرد ولا المجتمع، ولا بد من التريث فى اتخاذ القرارات، وأن يدرس كيفية نجاحه وكيفية خسارته ليتجنب خسارته بقدر الإمكان، حتى لا يتخذ قرارا سيئا يندم عليه بعد ذلك. وهذا ينبع من عقل سليم يتمتع بالحكمة والرزانة، لأنه إذا أخذ المرء قرارا عشوائيا لا يعلم مداه سيكون نقمة عليه وعلى مجتمعه، لأن من حكمة القائد أن ينتشل شعبه من بؤرة الرذيلة وأن يخرج بهم إلى التنمية والإصلاح. كانت إسرائيل تعتقد أن عقل الشعب المصرى محدود فى تفكيره، حيث أنهم من غرورهم اعتقدوا بتراجع المصريين عن فكرة الحرب، لأنهم لاقوا هزيمة جبارة فى 67 ولم يفكروا فى خوض حرب أخرى، تلك كانت اعتقادهم من وجهة نظرهم، لأنهم لا يدرسوا العقل المصرى نهائيا إلا أنهم يرسلون الجواسيس لكى يجمعوا آراء الشعب المصرى فى مسألة الحرب، ومحاولة استرداد سيناء مرة أخرى، وسرعان ما تسقط هذه الجواسيس لأن الجهاز المخابراتي يقظ بما يجرى على أرض مصر، فهو على دراية كاملة بما تفعله إسرائيل تجاه تجنيد الجواسيس التى تتلطف وتأخذ الحذر لكن رجالنا البواسل يكونون لهم الغلبة فى إسقاط الشبكات التى تضر بمصر. والطُعم الذى أحدثوه رجالنا البواسل للعقل المحدود عقل العدو، وهو محاولة تمويه قرار الحرب الذى اتخذته القيادة العليا للقوات المسلحة المصرية بان تقوم مجموعة من الجيش لأداء العمرة، وغير ذلك الأجازات لهم وعدم الاهتمام بالحرب، كل ذلك بين تجاهل القيادة لفكرة الحرب بأن مصر ترضى عن هذا الواقع، قبلوا الطُُعم بسهولة حتى تراجعوا عن مراقبة المصريين من على الحدود، هذا عقل وثقافة الآخر الذى قادهم إلى هذه الدرجة الهزيلة من التفكير، حتى كانت الريادة العليا لمصر التى أبهرت العالم حتى يومنا هذا. المراوغة فى الإعداد للحرب مطلوبة خصوصا إذا كانت هذه الحرب بين دولة يعتدى عليها، فإن الإنسان هنا أو القائد مطالب فى دهاء أعدائه الذين يتربصون بهم، ويريدون الانقضاض عليهم فى أية لحظة. وما حدث فى حرب أكتوبر المجيد هو تجديد مصير، لأن اليهود قد أغاروا على أرض ليست من حقهم، هى سيناء المصرية، واحتلوها وتمركزوا فيها، فما كان من القيادة المصرية التى تعرف تعاليم الدين وهو السن بالسن والإذن بالإذن والجروح قصاص، ذلك عدل الله تعالى فى سماءه وأرضه، كان هذا نصرا من الله تعالى لمصر بتحقيق أكبر ملحمة عرفها التاريخ على يد جنودنا البواسل الذين هم جُند مصر، الجُند الذى وصى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. كان هنا الاختلاف مع الآخر، إذ أنه ليس من حقه أن يستولى على غير حقه، ولم يدع فى أى حال من الأحوال أن يظل الطاغى فى معاصيه، ولكن كان النصر حليف الحق، والحق مستمد من الإسلام فأمرنا أن نستردها بعون الله وتوفيقه، مما كان ذهولا للعالم أجمع، ذهولا للعجم لأنهم اعتقدوا بأن هذا الخط لا يقهر، يقصدون خط بارليف الذى بنوه الصهاينة، لا يعرفون عقل البشر، ولا يعرفون إرادة الله التى أمدته بحُسن التخطيط والانقضاض. هذا العقل المحدود فى التفكير يعتقدون أنهم فى أعلى علين ونحن أسفل سافلين، بل بالعكس هم أسفل سافلين ونحن أعلى عليين بالإسلام وبالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. الشورى أمر هام فى مواجهة ثقافة الآخر. الشورى فى الإسلام حق للناس، لأن فيه الصلاح والفلاح فى أمر الدنيا. إن ما عند الله من أجر ونصر هو خير متاع الدنيا، المؤمنين الذين يعتمدون على تأييد الله ورعايته والذين يجتنبون كبائر ما حرمه الله عليهم من الفواحش والآثام، ويغفرون لمن أغضبهم، ويستجيبون لربهم ولدينهم أن طلب منهم أمرا، ويقيمون الصلاة ويبنون دولتهم على أساس الشورى، وينفقون مما رزقهم الله فى سبيل الله، وإذا أصابهم ظلم لا يسكتون ولا يذعنون، بل يثورون حتى ينتصروا ويزون ما أصابهم بالسيئة سيئة مثلها إلا إذا رأوا أن العفو أفضل فيعفون ويصلحون ما بينهم من علاقات أساءت السيئة إليها. الذين يظلمون ويبغون بين الناس دون حق. أصبحت الشورى قاعدة شرعية، ولذلك قال الحسن وسيفان بن عيينه : إنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك. ليقتدى به غيره. مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم أكمل الناس عقلا ومعلما للبشرية، إلا أن علوم الخلق لا متناهية، وكل زمن يظهر فيه العجائب، فلا يبعد أن يخطر ببال إنسان ما لا يخطر على باله من وجوه المصالح، ولا سيما فيما يفعل من أمور الدنيا. ليس من الصعب أن تتراجع فى قرار قد أخذته واكتشفت أنه لا يصلح، وقد يؤدى إلى الهلاك. فالآخر لا يعرف الشورى وإن كان الغرب يتطلع إلى حكمة فى التصرفات التى تصدر من أجل القرارات التى تتخذ فى مواضيع حساسة، لأن هذه المواضيع تكون بمثابة أمن قومى للدولة، هذا لدول تهتم بمشاركة آخرين من القيادات فى قرار هام. ودول أخرى هم لا يعنون بقرار الحرب لأنه يأخذ عشوائيا وأيضا يتخذ بموافقة أعضاء بالأغلبية، لا يدرسون هذا القرار ولا وقت لدراسته، لأنهم يتشدقون لمواجهة الآخرين مهما كانت قوتهم، وهذا يختلف عن الشورى فى الإسلام، فالإسلام شرع الشورى حتى لا يتخذ قرار عشوائى دون دراية أو دراسة مسبقة، حتى لا يقود الدولة إلى ويلات الحرب هى فى غنى عنها. فالشورى هنا مطلوبة لأن الله سبحانه وتعالى أمر عباده بذلك ، فقال عز وجل : 
(وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ). وقال : (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ). وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه رضى الله عنهم فى أمور الحرب. ومن الطبيعى أن المشورة تنجى بالمجتمع إلى الطريق السليم والصحيح لكى لا يقع فى الرذيلة. التعاون : والتعاون أيضا هو من أساس التفكير السليم، لأن التعاون يُنمى المجتمع فى شتى المجالات المختلفة بين الفرد والجماعة، فعندما تجتمع السواعد فى بناء البيت ينتهى على أكمل وجه. ولا بد من تعاون المجتمع بعضهم البعض فى القرية فى المدينة فى الدولة، وقد بين القرآن الكريم ذلك إذ قال الله عز وجل : (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ). 
التعاون 
يكون فقط على البر والتقوى، ولا يكون على الإثم والعدوان لأن البر والتقوى من سيمات المؤمنين، والإثم والعدوان من سيمات الشياطين الذين يخربون المجتمع. والعقل السليم والحكيم هو أساس ذلك، فهو يستطيع أن يفرق بين الحق والباطل. وقد سمى القرآن الكريم (بالفرقان) لأنه فرق بين الحق والباطل وبينه للمؤمن الذى يتبع نهجه فى تدبير أموره، وليس هناك من يجعل حياته بؤسا إلا من ليس له عقل ونسميه فى هذه الحالة بالهمجى. ولكن عندما نشرح الهمجى ونعرف من أين جاءت هذه الكلمة فنجدها كلمة مأخوذة من الثور، فالثور هو حيوان برى يعيش بعيدا عن البشر. وهمجية الثور تأتى من لا عقل له، فهو يهيج إذا أعطى الحرية وسط البشر كما يحدث فى حلبات الثيران، وقد أخذ البشر تلك الصفة المسيئة، وقد ظهرت الهمجية فى العصابات والمجرمين الذين يروعون أمن البشر، وأحدثوا فى الأرض فسادا. وهذا ما أخذ العالم إلى مستنقع خطير، فقد كثر الفساد فى البر والبحر والجو أيضا. وقد نبأنا بذلك القرآن الكريم . وتطورت الأسلحة والتكنولوجيا لفتك الأعداء الداخلين على دولتهم. وكذلك تفننت الدول فى كيفية قتل الأبرياء دون أن يقترفوا ذنبا. فهناك دولة احتلت أخرى لتستولى على أرضها وطرد أبناءها دون وجه حق، وهناك دول تمنع المياه عن الأخرى لأنها تعرف أن المياه هو مصدر الحياة. ودول تسقط قنابل ذرية على أخرى، ودول تريد إبادة البشر بكل الطرق. والكثير والكثير ممن نشاهدها ونسمعها عبر وسائل الإعلام، وقد رأينا غطرسة القادة والزعماء بفناء البشر لأنهم لا يملكون العقل الحكيم، بل يملكون الغطرسة التى تؤدى بهم إلى الهمجية ومن الممكن أن يؤدى بلاده إلى الهلاك كما حدث فى الماضى. وإذا كان أهل الباطل يتعاونون فيما بينهم على تقوية باطلهم، فأولى بأهل الحق أن يتعاونوا من أجل إعلاء كلمة حقهم، ومن أجل انتصاره على كل ما هو شر وظلم وإثم وعدوان. لقد أوجدنا الله تعالى فى هذه الحياة لكى نعمرها بكل ألوان الخير والحق والفضائل.. نعمرها بالمحافظة على التكاليف التى جاءنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند ربه، فإننا متى فعلنا ذلك فتح الله علينا بركات من السماء والأرض. نعمرها بالعلم النافع الذى يزيد المؤمنين ثباتا على ثباتهم، وقوة على قوتهم، وعزة على عزتهم، وغنى على غناهم، فالله تعالى قد أمر نبيه أن يسأله المزيد من العلم فقال : (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا). 
الحكمة : 
من الصفات الكريمة، والمناقب الحميدة، التى أمرتنا شريعة الإسلام بالتحلى بها، وبالحرص عليها صفة الحكمة، التى معناها : أن يفعل الإنسان ما ينبغى على الوجه الذى يليق بهذا الفعل المناسب له وأن ينطق بالكلمة الطيبة. فالإنسان الحكيم، هو الإنسان الذى يضع الأمور فى مواضعها الصحيحة، فهو يقدم إذا كان الأقدام عزما، ويحجم إذا كان الإحجام حزما، ولا يقول قولا ويندم عليه فى الغد، ولا يفعل فى حاضره فعلا، لا يرضى عنه فى مستقبل حياته. وهدوا إلى الطيب من القول .. وأن يمتنع عن الحماقة والجهالة وسوء التصرف فى القول أو العمل. عليك أيها العاقل أن تدعوا الناس إلى دين ربك وإلى إتباع شريعته بالقول المحكم الصحيح الموضح للحقن المزيل للباطل، الواقع فى النفس أجمل موقع. وعليك أن تسلك مع بعضهم وهم الذين ينالون القسط الأوفر من العلم، أن تسلك دعوتك لهم، الموعظة الحسنة، عن طريق الأقوال المشتملة على العظات والعبر التى ترقق القلوب، وتهذب النفوس، وترغبهم فى الطاعة، وترهبهم من المعصية، بأسلوب يقنع العواطف والعقول. وعليك أن تجادل المعاندين من الناس بالطريقة التى هى أحسن الطرق وأجملها، بأن تكون مجادلتك لهم مبينة على البراهين الساطعة، وعلى الأدلة التى تحق الحق وتبطل الباطل. وبين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم .. إن الذين يستحقون أن يتمنى العاقل أن يكون منهم صنفان من الناس: أولهما : الذين يبذلون أموالهم لإعلاء كلمة الحق، وثانيهما : اللذين أعطاهم الله الحكمة، فقال صلى الله عليه وسلم : لا حسد إلا فى اثنتين : رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته فى الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضى بها ويعلمها. لقد ذكر بعض المفسرين أن (أكثم بن صيفى) أحد حكماء العرب.. عندما بلغه مبعث رسول الله صلى الله ليه وسلم.. أراد أن يأتى إليه ليسمع منه، فقال له قومه : هو يأتى إليك فأنت كبيرنا وما كان لك أن تسير إليه ؟ فقال لهم : فليأت إليه من يبلغه عنى ويبلغنى عنه. ثم اختار رجالا من قومه وقال لهم : أذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم.. وقولوا له نحن رسل أكثم بن صيفى، وهو يسألك : من أنت وما أنت ؟ فلما وصلوا إلى النبى صلى الله عليه وسلم وسألوه ذلك قال لهم : أما أنا فمحمد بن عبد الله ، وأما ما أنا فأنا عبد الله ورسوله، ثم تلا عليهم هذه الآية : (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ). الآية 90 سورة النحل فقالوا له : ردد علينا هذا القول حتى نحفظه، فردد عليهم. فلما عادوا إلى أكثم بن صيفى وقصوا عليه ما دار بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم، قال لهم : إنى أرى محمدا يأمر بمكارم الأخلاق وينهى عن ملائمها، فكونوا فى هذا الأمر رءوسا، ولا تكونوا فيه أذنابا. الغضب : من الطبيعى أن الغضب هو التعبير السيكلوجى عند الإنسان بعدما يُضر بفعل أو بقول من الآخر، فعندما يتعرض إنسان لشئ يغضبه تظهر علامات الغضب على وجهه فيتحول ابتساماته إلى الجهوم، ومن الممكن أن يفعل الإنسان المغضب أفعلا لا إرادية، لأن الغصب فى هذه الحالة يهيج ويميج انتقاما من الذى أغضبه، وهو مندفع بفطرته إلى الانتقام السريع، وهذه الظاهرة كان فيها رؤى من كثير من الناس لأن حالة الغضب تختلف من إنسان لإنسان حتى نهانا صلى الله عليه وسلم من الغضب. وهذه ظاهرة تؤدى إلى عدم تقبل الآخر بأى حال من الأحوال إلا إذا أصلح الآخر خطأه وتغاضى المغضب عن حقه الذى أودى به إلى هذا الحالة من الغضب. 
بالنسبة لظاهرة الغضب ينقسمون إلى أقسام، فمنهم الذين يغضبون لأتفه الأسباب، ويحملهم غضبهم على النطق بغير الحق، وعلى الإساءة إلى غيرهم بمختلف وسائل الإساءة. ومنهم لا يغضبون حتى إذا ما انتهكت حرمات الله تعالى وحتى إذا ما كان العدوان على دينهم وعلى أعراضهم وعلى أموالهم وعلى كل ما يجب الدفاع عنه. وهذان الصنفان من الناس لا ترضى عن سلوكهم شريعة الإسلام التى كرمت الإنسان. وهناك قسم ثالث من الناس وهو المعتدل فى رضاه وفى غضبه، فهو يغضب لدينه وعرضه وماله وكرامته ولمكارم الأخلاق، ولحرمات الله تعالى. وعالج الإسلام ظاهرة الغضب علاجا حكيما، عالجه بأن أمر المسلم بالصبر والحلم وبالأناة، وبعدم التسرع فى الأقوال والأفعال، ففى الحديث الشريف : قال صلى الله عليه وسلم : ليس الشديد بالصُّرعة.. أى : الذى يصرع غيره ويتغلب عليه إنما الشديد الذى يملك نفسه عند الغضب، وعالجه بأن أمر المسلم أن يلجأ إلى الوضوء وإلى أن يغير من هيئته فإن كان واقفا جلس، ففى الحديث الشريف : إذا غضب أحدكم فليتوضأ. وهذه الميزة لم تكن فى غير المسلم، لأن غير المسلم إذا غضب فلن تطفأ ناره، لأنه من أعوان الشيطان فيحركه الشيطان إلى غريزة الانتقام، وأما المسلم فيهدأ بمجرد أن يتوضأ للصلاة فيعدل عن الانتقام أو عن فعل الشر. الصُحبة : الإنسان منا لا يستطيع أن يعيش فى عزلة عن غيره، إذ هو فى حاجة لمن يتعامل معه فى شئون طعامه وشرابه ودوائه ومختلف مظاهر حياته. ومن شروط اختيار الصحبة الكريمة، الصدق والأمانة فى اختيار الصاحب.. 
والصداقات الصالحة، أن تقوم على الإخلاص وعلى الصدق، وعلى العفاف وعلى التعاون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان. ولقد ساق القرآن الكريم فى كثير من آياته نماذج متعددة للصداقات الكريمة وللأخوة السامية، التى تقوم على المحبة الصادقة، وعلى الإيثار الرائع. ومن أمثلة ذلك ما قام به الأنصار من أهل المدينة المنورة، مع المهاجرين من أهل مكة المكرمة، لقد قدم الأنصار للمهاجرين كل عون وكل إكرام، وقدم المهاجرين للأنصار كل عفاف وكل تجرد عن شهوات الدنيا، فما كانت النتيجة لهذا الكرم ولذلك العفاف ؟ النتيجة أن مدح الله تعالى الأنصار لسخائهم، وأن مدح الهاجرين لعفافهم. 
(وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الحشر الآية 9. 
وبين صلى الله عليه وسلم .. أن من علامات صدق الإيمان، والإحساس بحلاوته، أن يحب الإنسان غيره محبة خالصة لوجه الله. وإذا كانت الأخيار ترفع صاحبها إلى أعلى عليين، فإن صحبة الأشرار ترتد بصاحبها إلى أسفل سافلين. 
* * 
يقول أبن حزم الأندلسى ورسالته المناضلة بين الصحابة : للأستاذ سعيد الأفغانى.. نشر فى مجلة الكاتب المصرى (المجلد الأول) فى التعاون الثقافى بيننا وبين أقطار الشرق العربى نقص خطير ما زلت أدعو إلى تلافيه من أعوام طوال دون أن أجد من يصغى لهذا الدعاء فضلا عما يستجيب له. فليس بين مصر والأقطار العربية تبادل صحيح للثقافة، وغنما ترسل كتبنا وصحفنا ومجلاتنا إلى هذه الأقطار، ولا تكاد الكتب والصحف والمجلات التى تصدر فيها تصل إلينا إلا إذا تفضل أصحابها فأرسلوها إلى فلان أو فلان أو إلى هذه الصحيفة أو تلك. ولست ألاحظ أن هذا التقصير ظلما للأقطار العربية وحدها، فمن حقها أن نقرأها كما تقرؤنا، وإنما ألاحظ أن فيه ظلما لمصر نفسها، فإن هذا التقصير يفوت عليها نفعا كثيرا. ففى أقطار الشرق العربى كما فى أقطار الغرب الأوربى رؤوس تفكر تفكيرا خصبا وأقلام تنتج أدبا قيما. ومن الحق علينا لأنفسنا أن نقرأ هذه اللآثار القيمة التى ينتجها إخواننا من أدباء العرب. فإن الذين يريدون التعاون الثقافى الصحيح يجب أن يتعارفوا قبل أن يتعاونوا، ولا سبيل إلى التعارف إلا بأن يقرأ بعضنا بعضا، ويفهم بعضنا بعضا ليحب بعضنا بعضا، ثم لنتعاون بعد ذلك عن ثقة وبصيرة لا عن قرارات تلقيها إلينا الحكومات. يقول : الأستاذ على أدهم.. فى الثقافة والمجتمع.. نشر فى مجلة الكاتب المصرى (المجلد الأول) العلاقة بين المجتمع والجانب الآخر من جوانب الثقافة الذى أسميته العلم، أبسط من ذلك بكثير، فالعلم كما قدمت كشف لا خلق، وموضوعى لا ذاتى، فهو من ثم مجهود تعاونى يتطلب المشاركة والتساند، وهو أكثر نفعية من الفن لا لأن كل ضروب العلم تدر النفع المباشر وتجئ بالفائدة العاجلة. ويقول : أن وحى الفنان أو بداهة العالم اللماحة الكاشفة، من مسائل العبقرية الفردية، ولكن خلق الفنان واكتشافات العالم واختراعات المختراعات المخترع من المسائل الاجتماعية التعاونية مع اختلاف النسب وتفاوتها، وهذا التعاون يربط بين الفرد بالمجتمع التعاونية فكلما كانت الروابط الاجتماعية من المرونة واللين بحيث تسمح بظهور التبرعات الفردية وتحتملها وتوسع صدرها، تقدم الفن وارتقى العلم. كلما كان المجتمع شريكا فى العلم وشريكا فى الفن وشريكا فى كل فضيلة وكل امتياز، تقدم العلم وترقى الفن وسما المجتمع. والنظام الذى يقاوم نزاهة العلم وإخلاص الفنان يهبط بالعلم وبالفن وبالمجتمع. والقرن العشرين شهد مآسى شتى جراء غطرسة قادة الدول الكبرى، والتى قادتها إلى الهوية، مثل رئيس الولايات المتحدة الأمريكية (بوش) الذى ورط دولته فى خوض الحروب فى أفغانستان والعراق ومازالت تداعياتها حتى الآن. ففى حرب الخليج خاض معركة شرسة ضد الشعب العراقى بسبب إشاعة تفيد أن العراق بها أسلحة دمار شامل، وهذا الخطأ جعل الدولة تتفكك وجعل القتل وإبشاعه تنصب على رؤوس الجنود الأبرياء، وهذه الكذبة أدت إلى خوض حرب يذكرها التاريح بالمآسى والويلات. 
وفى أفغانستان مازالت الحرب دائرة للتخلص من طالبان والبحث عن بن لادن الذى أسقط برجى التجارة العالمى بخطة جهنمية لم يستطيع العقل الأوربى مهما ارتفعت درجة ذكائه أن يفكر فيها. وما زالت أحداث الحادى عشر من سبتمبر محفورة فى ذاكرة المواطن الأمريكى إلى الأزل . ولم تهدأ القيادة الأمريكية فى التخلص من بن لادن حتى تشفى غليلها، وقد كان فقد كثفوا البحث عنه حتى تم اغتياله. بهذا الاغتيال قد انطفأت شعلة نارهم وأدى بهم إلى سد الفجوة التى أحدثتها الحادى عشر من سبتمبر بإهداء ثورة الغضب لدى الشعب الأمريكى. نهيك عن الفيضانات والزلازل والبراكين، وهذا ما أقترفه يد الإنسان. والله سبحانه وتعالى لا يغير بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.. ولا يظلم ربك أحدا. وإننا من هذا المنطلق نعترف أن كل ما هو حادث عاجلا أو أجلا، ما هو إلا من صنع البشر. والله سبحانه وتعالى ميسر لعباده أعماله لذلك أمره بأن يختار الأبيض من الأسود. ومازال الإنسان على الأرض يصف بالطمع والجشع، إلا فئة قليلة تعرف الفرق بين الطريق المستقيم من الطريق المعوج، ويعرف الخير من الشر، لأنهم العقلاء الذين يتريثون فى اتخاذ القرار السليم دون تعصب أعمى وكما تقول حكاية السفينة. لكن كانت تحمل أُناس فوقها وتحتها، فإذا أرادوا من فى أسفلها أن يأتوا بالماء، يمرون على من أعلاها، فقال أحدهم لو خرقنا خرقا فى أسفلها لأخذنا الماء، فإذا تركوهم يفعلون ذلك لغرقت السفينة وإذا منعوهم نجت السفينة ووصلوا بأمان. 
* * 
لذلك فكل البشر والأجناس مختلفون فى تفكيرهم وأفعالهم، ولكن لا فرق بين أسود وأبيض إلا بالتقوى والعمل الصالح، ولا بد وأن كل إنسان أن يحكم عقله فى حُسن التفكير حتى يرتقى شأننا ولا يخوض معارك لا حصر لها وتذوق ويلات على مر العصور. وما زال الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حتى تقوم القيامة. فقد أمرنا بيسر الدين والحرية فى التعبير والرآى وأيضا التسامح مع الآخرين. وأن نصبر على بلائهم وأن نجادلهم بالتى هى أحسن، فهم لا يعلمون، وأن الآخر لا بد وأن يعامل كما يعامل المسلم، وكما قال القرآن الكريم الذى أعطى للذمى حقه، فى الجوار وفى المعاملات، وفى الحقوق التى شرعها الإسلام. لا بد وأن نتقبل الآخر فى حدود الأدب وحدود الثقافة والمعرفة العامة، التى ليس فيها أذى ولا تنافى للآداب والأذواق العامة. الدين يسر : تكاليف الدين الإسلامى خالية من العسر الذى هو غاية الشدة والمشقة، ومن مظاهر ذلك صلاة المريض قاعدا الإفطار فى رمضان إن كان العبد مريضا أو مسافرا وأن المضر إلى الميتة يأكل منها دفاعا لغائلة الخطر عن نفسه.. وفرائض الدين ووجباته وفضائله كثيرة جدا، للمؤمنين والتعامل مع الآخرين وتقبلهم فلهم ما يسلمون وعليهم ما يكفرون. فقد أرشد الرسول صلى الله عليه وسلم أمته إلى التسديد وهو طلب الثواب. والمقارنة وهى ما يقرب من الكمال، حتى نجى الرسول صلى الله عليه وسلم إلى طريق الصواب. وأن الدين الإسلامى قد يسر العبادات للمؤمنين دون أى مشقة ومجهودات، وكفل له الحرية والحقوق التى يتمتع بها. وجعل أمر المؤمن كله خير، وهذا الخير للمؤمن فقط فأصبح مميزا عن سائر الديانات، لأن الدين الإسلامى يهدم ما قبله. فبالدين الإسلامى يعلو شأن المؤمن ويكون عد ربه مرضيا إذ ينال الجزاء يوم القيامة، ومن خالفه وأعرض عنه فجزاؤه النار خالدا مخلدا. التوسط : فى مجال مدح الرأى الصائب والعقل الراجح، مدح الله تعالى من هذه صفات بقوله : (قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ).القلم الآية 28 قال أعدل الأخوة الذين فقدوا حديقتهم بسبب تركهم لوصية أبيهم : ألم أقل أحذروا معصية أبيكم، وأعطوا الفقراء والمساكين حقوقهم. ولقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أتباعه أن يتوسطوا فى أمورهـــم، وأن يتركــوا التشدد فى غير موضع التشدد، فقد جاء فى الصحيحين عن عبد الله بن عمر.. رضى الله عنهما، قال : أخبرنى النبى صلى الله عليه وسلم أنى أقول : والله لأصوُمنَ من النهار، ولأقـــوُمنَ الليل ما عشت، فقـــال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنت الذى تقول ؟ فقلت له : قــد قلتــه بأبى وأمى يا رسول الله، قال صلى الله عليه وسلم : فإنك لا تستطيع ذلك، فصم وأفطر، ونم وقـم، وصم من الشهر ثلاثة أيام فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر، قلت : فإنى أطيق أفضل من ذلك. فقال صلى الله عليه وسلم : فصم يوما وأفطر يومين، فقلت : فإنى أطيق أفضل من ذلك. فقال صلى الله عليه وسلم: فصم يوما وأفطر يوما فذلك صيام داود عليه السلام، وهــو أعـــدل الصيام. فقلـت : فإنى أطيق أفضل من ذلك. فقال صلى الله عليه وسلم : لا أفضل من ذلك. فكان عبد الله بن عمرو يقول بعدما تقدمت به السن : ياليتنى قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم. إن التوسط فى الأمور سواء أكان هذا التوسط يتعلق بالعبادات أم بغيرها، يساعد على المداومة على العمل الصالح، لأن التشدد فى غير موضع التشدد كثيرا ما يؤدى إلى عدم المداومة على العمل الصالح، ففى الحديث الشريف : إن المُنبتً.. أى : الذى يتعب دابته فى السير .. لا أرضا قطعن ولا ظهرا أبقى.. 
ولقد كانت أحب الأعمال الصالحة إلى قلب الرسول صلى الله عليه وسلم.. تلك الأعمال التى يواظب عليها صاحبها. تتجلى صفات المؤمن فى ترك التنازع والتخاصم والجدال والاختلاف المُفضى إلى الفشل والضعف فمن ترك المسلمون هذه الرذائل، وكانوا كالبنيان المرصوص الذى يشد بعضه بعضا، وتنَاصحوُا فيما بينهم بالكلمة الطيبة، وبالموعظة الحسنة، من أجل الوصول إلى الحق، منى فعلوا ذلك كانوا ممن رضى الله عنهم ورضوا عنه. من صفات الأخيار الذين رضى الله عنهم ورضوا عنه، أنهم يوفقهم الله تعالى إلى القول الطيب، وإلى المنطق الحكيم، وإلى العمل الصالح الذى من ثماره التعاون على البر والتقوى ولا على الإثم والعدوان، ومن الشواهد على ذلك، ما جاء فى الصحيحين من أن الرسول صلى الله عليه وسلم.. حين فاجأه جبريل عليه السلام.. وهو بغار حِراء.. وقال له اقرأ ؟ فقال له صلى الله عليه وسلم : ما أنا بقارئ، فضمه ضمه شديدة ثم قال له فى المرة الثالثة : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ). تفسير الميسر اقرأ - أيها النبي- ما أُنزل إليك من القرآن مُفْتَتِحًا باسم ربك المتفرد بالخلق، الذي خلق كل إنسان من قطعة دم غليظ أحمر. اقرأ - أيها النبي- ما أُنزل إليك، وإن ربك لكثير الإحسان واسع الجود، الذي علَّم خلقه الكتابة بالقلم، علَّم الإنسان ما لم يكن يعلم، ونقله من ظلمة الجهل إلى نور العلم. 
* *

ثقافة الاختلاف وقبول الاخر


حرية الفكر والتعبير: 
أعطى الإسلام حرية الفكر والتعبير على أن يكون للإسلام الحق فى أن يفكر تفكيرا مستقلا فى جميع شئونه، وما يقع تحت إدراكه من ظواهر فى الكون، بل إن الإسلام حتم على المسلم مناقشة كل رأي يفهمه عقله، ودعاه إلى الفحص والتحقيق والتدقيق، وألا يجعل لمخلوق سلطانا على عقله، وعلى هذا المبدأ الجليل، مبدأ الحرية الفكرية، وقد سار الرسول صلى الله عليه وسلم على هذه الحرية، الحرية فى الفكر والتعبير فى كل أموره وشئونه التى يكون فيها الصالح للمسلمين، والرسول صلى الله عليه وسلم هو أول من عمل بالحرية الفكرية لأنه موجه الأمة إلى فعل الخيرات وسار أيضا الخلفاء الراشدين من بعده على هذا النهج. إن الحجر على حرية الرأي، يهدد سلامة المجتمع أو ينشر الفتنة بين الناس، وقد كانت روح الإسلام ومبادئه تدعوا بأن الأصل فى الإنسان هو الحرية وقد صدق عمر بن الخطاب رضى الله عنه إذ يقول : متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا. 
ولا بد من أن الفكر يكون فى الاتجاه الهادف والبناء وليس للتخريب والدمار وحرية التعبير عن الرأى تكون على أساس سليم يرضى الجميع، ليس معنى أن الإنسان يفكر ويعبر عن أراءه واتجاهاته فيفعل ما يشاء ليس كذلك إنما يعبر ويفكر فى اتجاه المنهج الصحيح الذى الصحيح الذى شرعه الإسلام حتى لا يقع تحت قانون العقوبات. 
حرية الرأى : 
كما يقرر الإسلام حرية العقيدة، فإنه يقرر كذلك حرية الرأى، لأنها من أهم الوسائل لرقى المجتمع، إذ تتيح لأصحاب العقول الرشيدة، والآراء السديدة أن يشاركوا فى سياسة الأمة، ويسهموا فى حل مشكلاتها، كما أن الآراء إذا اشتركت فى بحث موضوع، ظهر ما هو نافع، وأخذ بالرأى الأصوب والأصح. لذلك أطلق الإسلام للناس حرية التفكير، وإبداء الرأى لصالح الفرد والجماعة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم معلم البشرية وهادئ الأمة كان يعرض الأمر على أصحابة ويعمل برأيهم حين يراه صالحا، (كما أوضحنا سلفا). وقد فعل ذلك فى غزوة بدر وأن المؤمنين بأن يجهروا بقول الحق لا يهابون أحدا فيه، وقد روى الترمذى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا يمنعن رجلا هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه. وقد طبق عمر بن الخطاب، عندما قال له رجلا من المسلمين.. فى موقف من المواقف.. 
أتق الله يا أمير المؤمنين، فقال بعض الحاضرين: 
أتقول لأمير المؤمنين اتق الله ؟ فقال عمر : دعوة فليقلها لى. نعم ما قال : لا خير فيكم إن لم تقولها، ولا خير فينا إذا لم نقبلها. التسامح : التّسامح مفهوم يعني العفو عند المقدرة، وعدم ردّ الإساءة بالإساءة، والترفّع عن الصّغائر، والسُّموّ بالنّفس البشريّة إلى مرتبة أخلاقيّة عالية، والتّسامح كمفهوم أخلاقيّ اجتماعيّ دعا إليه كافّة الرّسل والأنبياء والمصلحين؛ لما له من دور وأهميّة كبرى في تحقيق وحدة، وتضامن، وتماسك المجتمعات، والقضاء على الخلافات والصّراعات بين الأفراد والجماعات، والتّسامح يعني احترام ثقافة وعقيدة وقيم الآخرين، وهو ركيزة أساسيّة لحقوق الإنسان، والديمقراطية والعدل، والحريات. التسامح الإجابى الشامل : 
وجاء فى دراسة للإستاذ الدكتور .. (محمود حمدى زقزوق) : فى دراسات إسلامية عن التسامح فيقول :
 ولا شك في أن وعينا بأننا خطّاؤون يواكبه في الوقت ذاته وعينا بمسئوليتنا التي ترتكز عليها كرامتنا الإنسانية، الأمر الذي يمكّننا من السلوك القويم المتسامح حيال الآخرين الذين يشاركوننا في الإنسانية، والذين ينبغي أن يربطنا بهم رباط التضامن الإنساني المشترك. والتسامح -كما ألمحنا- يقوم على الاعتراف بحرية وكرامة كل إنسان، ونحن مطالَبون أخلاقيّا ودينيّا أن نكون متسامحين مع كل البشر بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية والثقافية والدينية والأيديولوجية. ولا يكتفي الإسلام بتعليم أتباعه هذا التسامح الشامل بوصفه شرطاً من شروط السلام الضروري للمجتمع الإنساني، بل يطلب منهم أيضاً الالتزام بالسلوك العادل الذي لا يقبل بالآخر فحسب، بل يحترم ثقافته وعقيدته وخصوصياته الحضارية. وخَير وصف يمكن أن نطلقه على هذا التسامح أنه تسامح إيجابي وليس تسامحاً حيادياً. وفي هذا يقول القرآن الكريم: 
﴿لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُــــوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُــــمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ 
ومن الملاحظ في هذه الآية وفي آيات أخرى كثيرة أن القرآن لم يستخدم أسلوب الأمر بطريق مباشر، وإنما استخدم أسلوب التنبيه والتوجيه الذي يتطلب استخدام العقل الإنساني. 
ومن عادة القرآن أن يعالج المشكلات بطريقة متدرجة تتفق مع ثقافة كل فرد، والإسلام لا يريد أن يقول للناس كلاماً ليحفظوه ويعملوا به بطريقة آلية، وإنما يريد تربية النفس وتحقيق الذات والعمل المسئول الذي يؤدَّى عن اقتناع.
ويشتمل النص القرآني الذي أوردناه على ثلاثة أمور 
أولها : أن الله سبحانه وتعالى لم ينه عن التسامح مع الآخرين. 
وثانيها: أن التسامح مع الآخرين الذين لم يعتدوا على المسلمين والتعايش الإيجابي معهم بالبر والقسط هو العدل بعينه. 
وثالثها: التأكيد على أن من يسلك هذا السبيل يَحظَى بحبّ الله سبحانه وتعالى.وبهذا الأسلوب المقنع الذي يخلو من الإكراه على فعل شيءٍ ما أو الامتناع عنه تصل الرسالة القرآنية .. 
رسالة التسامح .. إلى النفوس في يسر وسهولة، وتحقق الهدف المطلوب وهو نشر التسامح بين الناس على أوسع نطاق. 
التسامح والتعددية :
 ومن هنا لا يجوز أن يُنظر إلى اختلاف الجماعات البشرية في أعراقها وألوانها ومعتقداتها ولغاتها على أنها تمثل حائلاً يعوق التقارب والتسامح والتعايش الإيجابي بين الشعوب. فقــد خلق الله الناس مختلفِين: 
﴿وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ .. إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ﴾ (هود: 118-119)، كما يقول القرآن الكريم. ولكن هذا الاختلاف بين الناس في أجناسهم ولغاتهم وعقـــائدهم لا ينبغي أن يكون منطلقاً أو مبرراً للنـزاع والشقاق بين الأمم والشعوب، بل الأحرى أن يكون هذا لاختلاف والتنوع دافعاً إلى التعارف والتعاون والتآلف بين الناس من أجل تحقيق ما يصْبون إليه من تبادل للمنافع وتعـاون على تحصيل المعايش وإثراء للحياة والنهوض بها. ومن هنا يقول القرآن الكريم: ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ الحجرات الآية 13 والتعارف هو الخطوة الأولى نحو التآلف والتعاون في جميع المجالات. 
التسامح والحوار: 
إن الحوار في معناه الصحيح لا يقوم ولا يؤدي إلى الهدف المنشود إلا إذا كان هناك احترام متبادل بين أطراف الحوار، واحترام كلِ جانب لوجهة نظر الجانب الآخر. وبهذا المعنى فإن الحوار يعني التسامح واحترام حرية الآخرين، واحترامُ الرأي الآخر لا يعني بالضرورة القبول به. 
وليس الهدف من الحوار مجرد فكّ الاشتباك بين الآراء المختلفة أو تحييد كل طرف إزاء الطرف الآخـــر، وإنما هدفُه الأكبر هو إثراء الفكر وترسيخ قيمة التسامح بين الناس، وتمهــيد الطريق للتعاون المثمر فيما يعود على جميع الأطراف بالخير، وذلك بالبحث عن القواسم المشتركة التي تشكل الأســاس المتين للتعاون البنّاء بين الأمم والشعوب. والحوار بهذا المعنى يُعــد قيمة حضارية ينبغي الحرص عليــها والتمسك بها وإشاعتها على جميع المستويات . 
والوعي بذلك كله أمر ضروري يجب أن نعلمه للأجيال الجديدة، وبصفة خاصة عن طريق القدوة وليس عن طريق التلقين، ولا جدال في أن الحوار قـــد أصبح في عصرنا الحاضر أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، بل أصبح ضرورة من ضرورات العـــصر، ليــس فقـــط على مســتوى الأفـــراد والجماعات، وإنما على مستوى العلاقات بين الأمم والشعوب المختلفة. 
وإذا كانت بعض الدول في القرن الجديد لا تزال تفضل شريعة الغاب بدلاً من اللجوء إلى الحــوار، فإن على المجتمع الدولي أن يصحّح الأوضاع، ويعيد مثل هذه الدول الخارجة على القيم الإنسانيــة والحضارية إلى صوابها حتى تنصاع إلى الأسلوب الحضاري في التعامل وهـــو الحــوار. 
 فليـــس هناك من سبيل إلى حل المشكلات وتجنب النـزاعات إلا من خلال الحوار. ومن منطلق الأهمية البالغة للتعارف بين الأمم والشعوب والحضارات والأديان .. على الرغــم من الاختلافات فيما بينها- كانت دعوة الإسلام إلى الحـوار بين الأديان. 
 وذلك لمــــا للأديان من تأثـــير عميق في النفوس. ويعد الإسلام أول دين يوجه هذه الدعوة واضحة صريحة في قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْــــلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سـَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْــبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَـــيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران: 64. 
ولم يكتفِ القرآن بمجرد الدعوة إلى الحوار بين الأديان، بل رسم المنهج الذي ينبغي إتباعه في مثل هذا الحوار. وذلك في قوله تعالى: ﴿وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْـلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِـي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْـزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ العنكبوت: 46 
 أما الحكم على الآخرين الذين يشاركوننا في الإنسانية، فيجدر بنا أن نتركه لله جل شأنه؛ وخير لنا بدلاً من ذلك أن نجتهد في أن نسلك حيالهم مسلكاً عادلاً متسامحاً طالما لم يسيئوا إلينا. 
 فالدين لا يحفل إلا بالأعمال التي نتحمل نحن مسئوليتها؛ ولهذا يقول القرآن الكريم في موضع آخر: ﴿وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمْ اللهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ 
التسامح الديني : 
ونظراً لما للدين من عمق عميق في النفوس فإن الحوار بين الأديان لا يمكن أن يكتب له النجاح إلا إذا ساد التسامح بين المتحاورين، وحلّ محل التعصب المعتاد بين أتباع الديانات المختلفة. وقــد حرص الإسلام كل الحرص على تأكيد هــذا التسامح بين الأديان بجعله عنصراً جــوهرياً من عناصر عقيدة المسلمين. 
 فالأديان السماوية جميعها تُعد في نظر الإسلام حلقـــات متصلةً لرسالة واحـــدة جـــاء بهــا الأنبياء والرسل من عند الله على مدى التاريخ الإنساني. 
ومن هنــــا فـإن من أصول الإيمان في الإسلام الإيمان بجميع أنبياء الله ورسله وما أنزل عليهم من وحي إلهي. وفي هذا يقول القرآن الكريم : ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾ البقرة: 285 
ومن أجــل ذلك يمتــاز الموقـــف الإسلامي في أي حــوار ديني بأنه موقــف منفتح على الآخـرين، ومتسامح إلى أبعد الحدود. 
فقد أقر الإسلام منذ البداية التعددية الدينية والثقافية، وصارت هـــذه التعددية من العلامـات المميزة في التعاليم الإسلامية. والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة. فقـــد تأسس مجتمع المدينة المنــورة بعـد هجرة الرسول إليها على التعددية الدينية والثقافية، ومارس المسلمون ذلك من بعده عملياً على مدى تاريخهم الطويل. 
ويؤكد ذلك ما يعرفه التاريخ من أن المسلمين لم يُكرِهوا أحداً على الدخول في الإسلام. فالحرية الدينية مكفولة للجميع، وتعد مبدأ من المبادئ الإسلامية الذي أكّده القرآن الكريم في قوله : ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ البقرة: 256.. 
وفي قوله في موضع آخر: ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ الكهف: 29 ومن القواعد الأساسية المعروفة في الشريعة الإسلامية في شأن التعامل مع أهـــل الكتــاب القاعدة المعروفة : لهم ما لنا وعليهم ما علينا، أي لهم ما لنا من حقوق، وعليهم ما علينا من واجبات. 
ثقافة الاختلاف : 
يجب علينا ترسيخ فكرة الاختلاف، بداية من الخلق وصولا إلى أقوالنا وأفعالنا. ويجب تدريس رأى الأمام الشافعى رضى الله عنه حين قال : رأى صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب. 
إذا أخذنا فى الاعتبار، فلن يثور كل منا من أجل رأيه بل سيكون عليه أن يستمع إلى رأى الآخرين، وإذا أصر على رأيه فعليه أن يقدم الأدلة والبراهين على صدق كلامه، هذا إن لم يكون هذا اللين والرفق فى الكلام، لأن الكلام اللين يغلب الحق البينة، أمام فى ما يتعلق بالأمور الاجتهادية التى تحتمل أكثر من رأى، فكل إنسان يستطيع أن يأخذ بالرأى الذى يميل إليه قلبه. 
وهناك ما يسمى بالقاعدة الذهبية فى فقه الاختلاف لدى علماء المسلمين.. حيث يقولون : نجتمع فى ما اتفقنا فيه ويرحم بعضنا بعضا فى اختلافنا فيه، مثال : هل مصافحة الرجال النساء، والعكس تنقض الوضوء. 
الإمام أبو حنيفة قال : أنها لا تنقض الوضوء. 
الإمام الشافعى قال : أنها تنقض الوضوء. 
وإذا كان حال العلماء الاختلاف، فما بال غير العلماء؟ ولننظر معا إلى بعض من أقوال السلف الصالح، لنتعلم فكرة الاختلاف : قال : يا أمير المؤمنين، إن اختلاف العلماء رحمة من الله على هذه الأمة، كُل يتبع ما صح عنده وكل على هدى وكل يريد الله. روى أن هارون الرشيد قال للإمام مالك رضى الله عنهما يا أبا عبد الله فكتب هذه الكتب ونفرقها فى آفاق الإسلام لنحمل عليها الأمة. 
وقال الإمام مالك : شارونى هارون الرشيد فى أن يعلق الموطأ فى الكعبة، ويحمل الناس على ما فيه.. فقلت : 
 لا تفعلن فإن أصحاب رسول الله اختلفوا فى الفروع وتفرقوا فى البلدان، وكُلُ مُصيب. 
فقال الرشيد : وفقك الله يا أبا عبد الله. 
إن الاختلاف هنا هو مجرد اختلاف فى آراء حياتيه وليس عقائد ثابتة، إذا لا بد من ترسيخ المفهوم لدى الجميع ألا وهو أن نتفق فى الجوهر ونختلف فى المظهر وأن نتعلم ثقافة الحوار والاختلاف، وفكرة الرأى والرأى الآخر، لأن لكل منا عقله وتفكيره، ولا يجب أحد منا أن يقلل الآخرون من شأنه أو يسفهوا رأيه. 
وهذا ما علمنا به القرآن الكريم والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فى حُسن الاستماع للآخرين وأن نجادلهم بالتى هى أحسن، ولم يأمرنا بالقتل أو بسفك الدماء لأن الدين الاسلامى لم ينشر بالسيف. قوله تعالى :
 (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128). سورة النحل من الآية 125-128 
يقول الإمام ابن كثير رضى الله عنه يقول تعالى آمرًا رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يدعو الخلق إلى الله ( بِالْحِكْمَةِ ) قال ابن جرير: وهو ما أنزله عليه من الكتاب والسنة ( وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ أي : 
بما فيه من الزواجر والوقائع بالناس ذكرهم بها، ليحذروا بأس الله تعالى وقوله: وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أي: من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال، فليكن بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب، كما قال: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ .. العنكبوت: 46 فأمره تعالى بلين الجانب، كما أمر موسى وهارون،عليهما السلام ، حين بعثهما إلى فرعون فقال: فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى .. طه : 44 وقال رحمه الله تفسير قوله تعال :
 (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَو َلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ). سورة الحج واعلم أنه يفهم من دليل خطاب هذه الآية الكريمة، أعني مفهوم مخالفتها : أنه من يجادل بعلم على ضوء هدى كتاب منير، كهذا القرآن العظيم، ليحق الحق، ويبطل الباطل بتلك المجادلة الحسنة أن ذلك سائغ محمود لأن مفهوم قوله : بِغَيْرِ عِلْمٍ. أنه إن كان بعلم، فالأمر بخلاف ذلك، وليس في ذلك إتباع للشيطان، ويدل لهذا المفهوم المذكور قوله تعالى : ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. وقوله تعالى : 
وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. 
(تفسير العلامة الشنقيطى رحمه الله) وفي سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أروع الصور الإنسانية، وأسمى المواقف الأخلاقية في التعامل مع الكافرين من يهود ونصارى ومشركين، ليس في العهد المكي فقط، وإنما في العهد المدني وبعد أن جاء نصر الله والفتح المبين. 
كما أن تعامل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع تيار المنافقين في المجتمع الإسلامي، مع خطورة دورهم التآمري على الكيان الإسلامي الناشئ، كان تعاملاً حضارياً راقياً، ينبغي أن يستلهم منه كل مسلم روح التسامح، وسعة الأفق، وقدرة الاستيعاب للآخر. 
منهج الإسلام وسيرة السلف : 
من الظواهر المؤسفة في بعض الأوساط الدينية، سوء التعامل مع المخالفين في الدين أو المذهب أو الاتجاه، حتى أصبحت الغلظة والفظاظة والتجهم والتشدد سمة من سمات التدين عند هؤلاء، وأصبح حتى الاختلاف على بعض المسائل الجزئية الاجتهادية سبباً للقطيعة والعداء. 
وهذا مخالف لنهج الإسلام، ولسيرة السلف الصالح، من أئمة أطهار وصحابة أخيار. فالقرآن الكريم يشجع المسلمين على حسن التعامل والبر بالكافرين غير المحاربين والمعتدين يقول تعالى : 
(لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ( . أي : لا ينهاكم الله عن البر والصلة، والمكافأة بالمعروف، والقسط للمشركين، من أقاربكم وغيرهم، حيث كانوا بحال لم ينصبوا لقتالكم في الدين، والإخراج من دياركم. فليس عليكم جناح أن تصلوهم، فإن صلتهم في هذه الحالة، لا محذور فيها ولا تبعة . 
حيث لم يلجأ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى القوة والقمع ضدهم، رغم استفزازاتهم وجرائمهم، فلم يتعامل معهم كأعداء محاربين، ولم يقتل منهم أحداً، ولم يسجن أحداً، ولم يجلد أحداً، ولم يطرد منهم أحداً. لقد واجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بداية الدعوة معارضة ومخالفة عنيفة من قبل المشركين، ولكنه تغلب على كل ذلك بأخلاقه العظيمة )وإنك لعلى خلق عظيم) ولولا ذلك الخلق الرفيع لما تمكن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من هداية ذلك المجتمع الجاهلي الغارق في الفساد والتخلف، يقول تعالى : 
ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك. 
ولقد ترك الإسلام للإنسان الحرية الكاملة فى تكوين عقيدته، ولم يفرضها عليه بالقوة وإنما اتخذ الحوار أسلوبا فى الدعوة إلى الإيمان، ليكون اعتناق الناس الإسلام ناشئا عن الاقتناع الصحيح، وحتى لا يكون الإيمان تقليدا أعمى دون وعى وإدراك ومع أن الإسلام يجعل الراجل قواما على امرأته، فى كل ما يحقق صالح الأسرة وصالح المجتمع.. فأنه لا يجوز للزوج المسلم المتزوج من كتابيه أن يرغمها على اعتناق الإسلام أو يمنعها من أداء عبادتها وشعائر دينها ولقد أمر النبى صلى الله عليه وسلم اليهود على دينهم فى المدينة بعد أن هاجر إليها وتبعه الصحابة فى هذه السنة الحميدة، فتركوه لأهل الأقطار التى فتحوها الحرية فى البقاء على دينهم أو الدخول فى الإسلام. فقد كفل الإسلام الحرية الدينية لأهل الكتاب فهم أحرار فى عقيدتهم وعبادتهم وإقامة شعائرهم ولهم أن يجددوا ما تهدم منها وأن يبنوا جديدا ولهم دق نواقيسهم إيذانا بصلاتهم، ولهم إخراج صلبانهم فى يوم عيدهم. 
( روى أبو يوسف فى كتابه الخراج أن خالد بن الوليد صالح أهل الحيرة على ذلك). ولم يحدث فى زمن الفتوح أن هدم المسلمون كنائس أهل الكتاب، أو حملوهم على الإسلام، أو اضطهدوهم اضطهادا دينيا أو سياسيا يرغمهم على أن يعتنقوا الإسلام وسيلة للنجاة. 
ويتساوى المسلم والذمى وهما جنس واحد هو الإنسان، لكنهم على ديانة مختلفة فى بعض الأحكام وهى :
 1- هما سواء فى القصاص، فالنفس بالنفس، والعين بالعين، والأنف بالأنف والأذن بالأذن. وهما سواء فى الديات والضمان والتعزيز، يجرى على الذمى ما يجرى على المسلم.
 2- وفى الأحوال الشخصية أبيح للذمى كل زواج يقره دينه، وأن خالف الدين الإسلامى، أبيح له كل طلاق، وإن لم يتفق مع الإسلام وليس للإسلام أن يتعرض للذمين من هذا إلا إذا احتكموا إليه.
 3- سوى الإسلام فى الحرمان من الميراث بين الذمى والمسلم ، فلا يرث المسلم قريبه الذمى ولا يرث الذمى قريبه المسلم ولا يرث الزوج المسلم زوجته الكتابية وكذلك لا ترثه. 
4- أباح الإسلام للمسلمين أن يأكلوا من طعام أهل الكتاب وذبائحهم بشرط أن يكون المذبوح مما يحل للمسلمين أكله، قال تعالى :
 (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ۖ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ). المائدة آية الآية 5 
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين يأكلون طعام أهل الكتاب. 5- أحل الإسلام للمسلم أن يتزوج نصرانية أو يهودية، وتبقى على دينها ولها على زوجها من الحقوق مثل ما للمسلمة. أما زواج المسلم بمشركة فأنه باطل، لأن الصلة القلبية لا تتحقق بين زوج مؤمن بالله وزوجه مشركة.
 6- فضلا عن الحرية فى العقيدة التى سبق ذكرها سلفا. لقد حسم الإسلام الاختلاف مع الآخر، وقد أمرنا بترسيخ فكرة الاختلاف معه ولم يأمرنا بالوقوف أمامه بالمرصاد أو أن نتعقبه ونحاربه، ولكن أمرنا بالكلام معه باللين دليل على معاملة رسول الله مع أهل الكتاب فى بداية ظهور الإسلام فى مكة والمدينة. 
ونرى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى موقف عظيم حين كان يهوديا يضع له الأذى أمام بيته، ولم يكن من الرسول صلى الله عليه وسلم يثور أو يرد له القذارة مثل التى أمامه بل كان الرسول الكريم عليه صلوات الله وسلامه يزيلها دون أن يتكلم، حتى كان يوما خرج رسول الله فلم يجد القذارة أمام بيته فسأل عن اليهودي وعرف أنه مريض، فزاره الرسول صلى الله عليه وسلم وعندما علم اليهودى بأنه رسول الله أسلم. 
هذا يعلمنا أن رسول الله عامل اليهود معاملة حسنه، رغم أنهم يتنصلون له بالمرصاد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعامل أهل الكتاب كالمسلم فى الحقوق والواجبات وكل شئ لأنه رسول الإنسانية بُعث للعالمين كافة. شمل كل الديانات شرعها وما نزل فيها حتى جاءت رسالة الإسلام خاتمه لكل الديانات السماوية. هذا ما أمرنا به الإسلام فى الحياة الدنيا. 
وإنما هناك أمور عديدة فى تغيير الهوية هذا الزمان، لأن كثيرا من الناس يجهل ما جاء به الإسلام، لعدم القراءة أو لضعف القراءة والإطلاع فى الدين، فلا يعرفون إلا قليلا من خطبة كخطبة الجمعة أو برنامج تليفزيونى أو حتى قراءة كتاب دينى فى المدرسة أو ما شابه ذلك. 
لكن المعلومات عند الشباب ضعيفة فى هذا المضمار لأسباب : أولها، ظهور التكولوجيا بقوة بين الشباب . 
وهذا الظهور أدى إلى انصراف الشباب عن القراءة، مما رسخ فى عقولهم أن استعمال الموبايل أو الانترنت هذه الأيام أفضل مما سبق. 
ثانيا، تعلق الشباب بالمشاهد الإباحية والذى أخذ جانبا كبيرا من حياتهم. ثالثا، ليس هناك برنامج دينى يظهر بقوة يغير فكر الشباب عن التعامل مع الأخر باستثناء برامج تظهر على القنوات المحلية، نهيك عن الفتوى الظالمة التى نراها عبر الفضائيات، فهم يقولون ما لا يعلمون لأنهم لم يستندوا على المذاهب الأربعة التى أصبحنا نسمع عنها أنها غير صحيحة، حسب كلام الشباب أو الذين ظهروا على الفضائيات وقالوا عنهم ظلما وزورا. 
رغم أن الفقه الصحيح من المذاهب الأربعة ومن يخرج عنها فهو ظالم. الرسول صلى الله عنه قال : 
أنتم أعلم بشئون دنياكم.. 
مما له دلالة على أن العلم فى الإسلام غير محدود بحد معين. وبهذا الحديث يفتح الباب واسعا أمام العقل ليستنبط من أنواع العلم والمعرفة. فى هذا القرن تغيرت الحياة عن زمن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين، وظهرت فيه العادات والتقاليد سواء عند الغربيين أو عند الشرقيين، وأقصد بهذا أنه لم يعد أحدا يحكم بما نزل الله إلا منطقة الحرمين الشريفين، فليس العلم كله على دين واحد فهناك أديان بأعداد هائلة لم يتصورها الإنسان، وهناك لغات كثيرة وعديدة على مستوى العالم، وربما كلمة واحده تنطق فى أماكن كثيرة بلغة مختلفة عن الأخرى. لا بد من إطلاله على اللغات واللهجات التى تسود حياة الإنسان فى شتى بقاع الأرض. فكلما تجوب الأرض تجد لهجات ولغات، وأنت غير مؤهل للتعامل معهم أو فهمهم، فكل لغة أو لهجة لها مقوماتها وأساسياتها، ويظل فيها الإنسان سنوات وسنوات كى يتعلمها، فالأرض التى نشأ فيها الإنسان صارت موطن فِهم له، لأنه يتعامل مع مجتمع يسير على نهج لغاته ولهجاته، فمثلا إذا انتقل عربى إلى دولة أعجمية فلم يتفاهم فيها معهم إلا بعد سنوات فى هذا الموطن حتى يسير منهم، والأعجمى كذلك إذا انتقل إلى دولة عربية فيحدث له كما يحدث للعربى.

ثقافة الاختلاف وقبول الاخر


تعريف اللّغة : عرف القدماء اللّغة بأنها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم ولم تستطع التعريفات الحديثة للغة أن تتجاوز هذا التعريف الموضوعي‏. غير أن تعريف اللّغة بوظيفتها يختلف عن تعريفها بحقيقتها وعلاقتها بالإنسان، فاللّغة هي الإنسان، ‏ وهي الوطــن والأهل، واللّغة التي هي نتيجة التفكــير، ‏ هي ما يميز الإنسان عن الحـــيوان، وهي ثمرة العقل، والعقل كالكهرباء يعرف بأثره‏، ‏ ولا ترى حقيقته. تنقسم لغات العالم إلى عائلات لغوية، كاللغات الأفريقية الآسيوية واللغات الهندية الأوروبية، حيث تحوي كل منها عددًا من اللغات ذوات الأصول. والخصائص المتشابهة لا يتفق علماء اللغة على عدد محدد للغات التي تتكلمها الشعوب التي تقطن الأرض في الوقت الحاضر، وتقول بعض المراجع إن عدد اللغات هو ما بين أربعة آلاف وخمسة آلاف، ولكن تشير بعض التقديرات إلى أن العدد الحقيقي يتراوح مابين ثلاثة آلاف وعشرة آلاف لغة . من الأسباب التي تحول دون التوصل إلى تحديد عدد لغات العالم، أننا حتى يومنا الحاضر لا نزال نكتشف شعوبا جديدة ولغات جديدة في مناطق مختلفة من العالم، وخاصة في حوض نهر الأمازون ووسط أفريقيا وغينيا الجديدة، ومع ذلك فمن غير المتوقع اكتشاف لغات كثيرة بهذه الطريقة، والعادة هي أننا نعرف الشعوب في مناطق معينة في حين أننا لا نعرف اللغات التي تتكلمها هذه الشعوب، والحقيقة هي أنه في دول كثيرة لم يكتمل المسح اللغوي وفي بعض الدول لم يجر مسح لغوي على الإطلاق، وغالبا ما يفترض أن شعبا من شعوب منطقة من المناطق يتكلم لغة معينة، ولكن عند البحث نجد أن هذا الشعب يتكلم لهجات من لغة واحدة، ولكن هذه اللهجات من الاختلاف بحيث يمكن اعتبار كل واحدة منها لغة بحد ذاتها. في الهند لحالها 70 لغة واندونيسيا كذلك. قد يغزو شعب ما من الشعوب أرضاً يتكلم أهلُها لغة خاصة بهم، فيقوم صراع عنيف بين اللغة الأم؛ واللغة الغازية، بالتالي؛ تكون النتيجة الحتمية إما القضاء على إحدى اللغتين قضاءً قد يكون تاماً، أو إيجاد وإنشاء لغة جديدة مُشتقة تجمع بين اللغتين .. الغازية والمغزوة. مثال الصراع اللغوي؛ حين غَزا العرب جهات كثيرة متعددة اللغات في المنطقة؛ استطاعت اللغة العربية الانتصار على اللغة الأم وحلّت محلها، فقضت اللغة العربية على الآرامية في العراق والشام، وعلى القبطية في مصر، وعلى البربرية في بلاد المغرب، وعلى الفارسية في بعض بقاع مملكة فارس القديمة. وتختلف لهجة اللغة العربية الصريحة في دول سوريا، لبنان، عنها في العراق، عن تلك التي في اليمن، و الخليج العربي، اختلافاً تاماً في المغرب العربي؛ إذن ما السّر في ذلك؟ لماذا لم تنشأ لهجة عربية موحّدة وصريحة شاملة لكل تلك المنطقة العربية. يتبع تعدد الأجناس تعدد اللغات فى الحبشة، بل أكثر من هذا فإن الجنس الواحد قد تتفرع لغته إلى لهجات، وهذه بدورها تتباعد عن الأصل مع مرور الزمن وتغير البيئة حتى تصبح لغة. والحبشة غنية بظواهرها اللغوية فإن وضعها الجغرافى وسط حضارات مختلفة من سامية وكوشية والنيلية، أما اللغات السامية فهى أكثرها انتشارا بين العناصر السامية وغيرها، وقد عددت ثمانى لغات مختلفة أهمها الجعز (أو كما ينطقونها الآن الجيز إذ أن نطق العين والحاء سقط تحت تأثير اختلاط السامين بغيرهم). وهذه اللغة أقدمها تاريخا وهى لغة الكنيسة الآن، وكانت على عصر قريب لغة الأدب الذى لم يصلنا منه إلا الأدب الكنسى ومعظمه إن لم يكن كله مترجم على اللغة العربية. أما اللغة الأمهرية فهى لغة الدولة منذ القرن الثالث عشر الميلادى على الآن. واللغة العربية منتشرة على الشواطئ وفى الداخل خصوصا فى المراكز التجارية، أما اللغة الهررية فهى لغة سامية أيضا تكتب بحروف عربية. أما اللغة الكوشية فقد عددت منها تسع عشرة، أهمها لغات الجالا والصومال، ولغة الجالا موسيقية رقيقة على السمع فيها أدب شعبى كبير لم يدون وقد بدأ المستشرقون فى جمعه ونشره بالحروف اللاتينية. قد يتطبع الإنسان الذى يعمل فى الخليج مثلا وهو مصرى الأصل فيتكلم لغتهم ويقول لهجاتهم حتى أنه يقول مثلا، فى كلمة .. ماذا ؟ المصرى يقولها : - ماذا ؟ الأردنىي يقولها : - شو .. كلمة يا صديقى .. المصرى يقولها : - يا صديقى . الأردنى والعراقى يقولونها : - يا زلمة. يقولون : سَكع.. فلاناً قلماً، بدلاً من صقع، و أيضاً قولهم : مَدْغ بدلاً من مَضْغ. وهناك كلمات إجابة الطلب (حَاضرين) و(من عيني) و(على عيني) و(على خَشْمِي) و(أَبْشِر): إذا طلبت من أحدهم شيئاً، فالجواب يكون في مصر بقولهم : (حاضرين). وفي الشام يقولون : (من عيني). وفي رواية (على عيني). وفي الخليج يقولون : (على خشمي) أو (أَبْشِر). وكل هذه الألفاظ فصيحة وصحيحة، وأفضِّل في هذا المقام اللهجة الشامية (من عيني) على اللهجات الأخرى، لأن العين أكرم الأعضاء، وعبارة (من عيني) ألطف من عبارة (على خشمي)، وعبارة (حاضرين). لقد أتى الإنسان على وجه الأرض بعدة لهجات مختلفة سواء من الموطن الذى يعيش فيه أو يهاجـر ليعمل فيه، وكثيرا ما نسمع عن مصريين يتنازلون عن لهجتهــــم التى تربوا عليها وتطبعوا بلهجــات أوربية وغربية، فمثلا يتحدثون لهجــــة ســــعودية أو إماراتية أو حتى فرنسية حسب البلد التى يقيم فيهـا سنوات، وكأنه صار منهم، وأيضا عادتهم وتقاليدهم قد يكتسبها منهم ناسيا عاداته وتقليده فى الريف أو الحضر. ومن المؤسف أن المصرى هـــو أول ما يتحدث بتلك اللهجـات التى التقطها وهــــو مسرور منها كأنه تعلم إعجاز وأنه فخورا بها لدرجة كبيرة للغاية، فيتباهه بها أمـام أهله وعشيرته. وهناك نماذج كثيرة فى الحيـــاة من هـذا النوع، كما أن هناك تعددات كثيرة فى هــذا المعنى الأصلى للكلمة، والتى يكتسبها الفــــرد فى الدولة الأخـرى، وهـــذا يكـــــون مختلفا عما يتعـــامل معه مع أهله، فيكون الحديث معه ثقيل ليس له معنى، حتى أنهم يقولون فى أول وهلة المثل الشعبى : من خـــرج من داره أتقل مقداره.. ويطلقــــون عليه .. صار خليجى. هــــذه أنماط نراها فى حياتنا وكأننا بالفـــعل نتعـــــامل مع خليجى ، ولم يعــــود إلى طبيعته الأصلية إلا بعد مرور وقت من الزمن حتى يتخلى عن لغته الدخيلة عليه. الهوية : تعدّدت مفاهيم وتعاريف الهويّة كما أنّ البعض قال: إنّ الهويّة هي الإعلاء من شأن الفرد، كما أنّ البعض قال : إن الهويّة ما هي إلا بطاقة تعريف عن الشّخص وإثبات للشخصيّة، كما أن البعض ينظر للهويّة من منظور وجانب آخر، وذلك باعتقاده أنّها الوعي بالذّات الاجتماعيّة بالإضافة إلى الذّات الثقافيّة، كما أنّها تعتبر متحوّلة وذلك حسب الواقع ولا تعتبر ثابتة بمنظورٍ أحاديّ، كما أنّ الهويّة أيضاً اعتبرت بأنّها الخصوصيّة الذّاتيّة، كما أنّها تعتبر ثقافةً للفرد، وللغته وعرقه وعقيدته بالإضافة إلى حضارته وتاريخه، كما أنّ الهويّة هي الّتي يمتلكها الفرد بعد تعدّي سنّ البلوغ المقرّر حسب كلّ دولة؛ فيمكن أن يستحوذ الفرد على هويّة وهي متطلّب إجباري وذلك لإثبات الشخصيّة أيّاً كانت، وبأيّ مكان، كما أنّ الهويّة تحتوي على العديد من النّقاط التعريفيّة في تذكّر الموقع الجغرافي بالإضافة إلى تاريخ الميلاد والدّيانة، كما أنّها تذكر الاسم والرّقم الوطني وهما أساس التّعريف لدى الشّخص. الهوية هى ارتباط الفرد بثقافته ومجتمعه فى الوطن الذى تربى فيه، إنما يقومون بتغيير هويتهم وإتباع هوية أخرى، وتجدر الإشارة هنا الحديث عن الذين يغيرون هويتهم الأصلية، بمعنى أن الذى توطن فى وطنه منذ ولادته، وتحدث بلهجة أجداده لا يصح له بتغيرها أو بالتحدث لغة أخرى، لأن كلما خرج فرد من الأسرة إلى دولة أخرى، فقد قيل أنها الهوية الوطنية التى يكتسبها الفرد فى منشأه فيتربى عليها ويكسب عاداتها وتقليدها. مفهوم الهوية : الهويّة هي الإعلاء من شأن الفرد. الهوية هي الوعي بالذّات الثقافيّة والاجتماعيّة، وهي لا تعتبر ثابتة، وإنّما تتحوّل تبعاً لتحوّل الواقع. . الهويّة عبارة عن سماتٍ تميّز شخصاً عن غيره أو مجموعة عن غيرها . الهويّة هي الخصوصيّة والذّاتيّة وهي ثقافة الفرد ولغته وعقيدته وحضارته وتاريخه الهويّة جزء لا يتجزّأ من منشأ الفرد ومكان ولادته حتّى وإن لم يكن أصله من نفس المنشأ. الهويّة في الّلغة : الهويّة في الّلغة مشتقّة من الضّمير هو، أمّا مصطلح "الهوَ هو" المركّب من تكرار كلمة هو، فقد تمّ وضعه كاسم معرّف بأل ومعناه ( الاتّحاد بالذّات). ويشير مفهوم الهويّة إلى ما يكون به الشيء "هو هو"، أي من حيث تشخّصه وتحقّقه في ذاته، وتمييزه عن غيره؛ فهو وعاء الضّمير الجمعي لأيّ تكتّل بشريّ، ومحتوى لهذا الضمير في الوقت نفسه ، بما يشمله من قيم وعاداتٍ ومقوّمات تكيّف وعي الجماعة وإرادتها في الوجود والحياة داخل نطاق الحفاظ على كيانها. مبادىء الهويّة : أن تكون الهويّة منسجمة مع معطيات الفكر القانوني والسّياسي، الّذي يستند إلى قانون المواطنة بوصفها معياراً جوهريّاً لتحقيق المساواة. أن تعبّر الهويّة عن الواقع، أي أن تكون انعكاسا ًلتصوّر فئة ما دون غيرها. مكوّنات الهويّة : • موقع جغرافي. • ذاكرة تاريخيّة وطنية مشتركة. • ثقافة شعبيّة موحّدة • حقوقٌ وواجباتٌ مشتركة. • اقتصاد مشترك. الهويّة العربيّة : بدأت الهويّة العربية في التشكّل دستوريَاً منذ كتابة صحيفة النّبي (صلّى الله عليه وسلّم) بعد هجرته إلى يثرب، انطلقت من مبدأ التغيّر مع الإبقاء على الثّوابت، ولذلك شاركت الهويّة العربيّة في منظومة الإنتاج الحضاري، وبناء التّراث العالمي، وبقيت الّلغة العربيّة محافظة على ثباتها الإيجابيّ باعتبارها مكوّناً أساسيّاً للهويّة العربيّة. الهويّة الوطنيّة : هي مجموع السّمات والخصائص المشتركة الّتي تميّز أمةً أو مجتمع أو وطن معيّن عن غيره، يعتزّ بها وتشكّل جوهر وجوده وشخصيّته المتميّزة. المفهوم الفلسفي للهويّة : الذّات هي ما يسمّيه الفلاسفة بالهويّة؛ فذات الإنسان هي هويّته، وهــي كلّ ما يشـــكّل شخصيّته من مشاعر و أحاسيس وقيم وآراء و مواقف وسلوك بل وكل ما يميّزه عــن غيره من النّاس. وقـــد عرّف أريكسون الهويّة الشخصية، أو الذّات، بأنّهـــا الوعي الذّاتي ذو الأهميّة بالنّسبة للاستمراريّة الأيديولوجيّة الشخصية، وفلسفة الحيــــــاة الّتي يمكـن أن توجّه الفرد، وتساعده في الاختيار بين إمكانيّاتٍ متعدّدة، وكذلك توجّه سلوكه الشّخــــصيّ، أمّا هنري تاشفيل، وجــــون تيرنر (باحثان إنجليزيّان في علـــــم النّفس الاجتماعي) فاستعملا مصطلح الهويّة الشخصية ، مقابل الهويّة الاجتماعيّة، وكان القصد من مصطلحهما الذّاتيّة، الّتي تعرف الفرد بالمقارنة مع الآخرين. على كل من يحاول تغير منهجه فهو خاطئ، لأنه سوف يسطوا على هويته الأصلية بهويه أخرى، لا ينبغى التعامل بها فى أرضه ووطنه، واللهجة المصرية الدارجة هى التى يفهمها المواطن العادى، ولكن لم نرى فى هذا القرن الحادى العشرين أحدا يحافظ على لغته العربية بل هناك الكثيرون من المعلنين بالذات يجمعوا على نشر إعلاناتهم باللغة الإنجليزية التى كادت أن تفنى اللغة العربية نهائى فى مسألة الإعلانات، ونرى لفتات على المحلات بالإنجليزية وأيضا إعلانات الطرق بالإنجليزية حتى كادت اللغة الإنجليزية تسود وتطغوا على العربية، هذه الثقافة آتت بها المجتمعات الغربية إلى مصر حتى تبعد العربية عن بعض المثقفين وتأخذ مكانها وهذا ما حدث بالفعل، فكثيرا ما نجد الإعلانات بحروف لاتينية لا يقرأها إلا المتعلم فقط، ولم يقرأها المواطن العادى لأنه لم يتعلم الإنجليزية، وهذا خطأ بالدرجة الأولى لأسباب : أولهما : المجتمع الذى يعرض فيه إعلانا بالإنجليزية غير مجدى. فإذا تصورنا أن إعلانا فى مجتمع تعداده عشرون ألف نسمه، ونفرض أن النسبة المتعلمة تعليم جامعى خمسة عشر ألف نسمة، فى هذه الحالة خسر المعلن خمسة آلاف نسمه فى مشاهدة الإعلان. ثانيهما : فإذا كان الإعلان فى نطاق الريف مثلا ، فهذا الإعلان خاسر بالدرجة الأولى، لأن هذه المنطقة نسبة التعليم الجامعى ضعيفة جدا، فلا يقرأها سوى الخمسة آلاف نسمة فقط، وبذلك قد خسر الخمسة عشر ألفا الباقين. وفى القرن الواحد والعشرون تطورت أساليب النشر بفضل التكنولوجيا الحديثة، وكان قبل ذلك يكتب الإعلان بخط يد فقط، وبألوان مائية مصنعة وغيرها. لكن اليوم نجد على جابنى الطرق لافتات للإعلانات موجهه إلى المستهلك أو الجمهور بلغة أجنبية، غير لغتنا العربية، حيث يظهر الإعلان كله بالأجنبية ليس به حروفا عربية. والسؤال الذى يطرح نفسه ، هو : هل هذا يجدى بثمار؟ لأنه ليس من السهل أن يقرأ مواطن هذا الإعلان بسهولة إلا من حظى بتعليم عالى أو متوسط يفك طلاسم اللغة الإنجليزية، خصوصا بوضع الإعلان فى مناطق ريفية يكون فيها التعليم المتوسط أكثر شيوعا. وقد أجرى بعض الدراسات والأبحاث فى المناطق التى بها إعلانات باللغة الانجليزية حتى وجدنا كل المستويات تفضل الإعلان باللغة العربية، ويتساءلون، لماذا لا يكون الإعلان باللغة العربية، يكون مفهوم وواضح عند العامة ؟ ولماذا أيضا لا يكون واجهة المحلات التى يكتب عليها أسمها بالعربية دون الإنجليزية ؟ كانت هذه التساؤلات هى السائدة فى المناطق التى بها إعلانات باللغة الإنجليزية، والإجابة التى تلقيناها عن المحلات التى تتصدر وجهاتها بكلمات وحروف لاتينية معقدة يصعب على قليل من الناس أن ينطقها، وكأنهم يحاولون فك رموز حجر رشيد. اللغة هى الأصل فى الوطن الذى يعيش فيه الإنسان، وهى تربط الفرد بوطنه لكى يتفاهم من خلالها بأفراد مجتمعه، لذلك يتكون كل كيانه من أصل وطنه الذى نشأ فيه، فعاداته وتقاليده ولغته ترتبط بالأصل والجذور التى تربى فيها ونشأ فيها. كما أن الدول الغربية قد صدرت لنا كلمات وألفاظ لاتينية دخيلة يرددها البعض فى حياتهم اليومية خصوصا الشباب الذى يتشدق بها طوال الوقت، حتى أننا اعتقدنا أن لغتنا العربية اندثرت وليس لها وجود. وأيضا تدريس اللغات المختلفة بكثرة فى وطننا الناطق بالعربية يؤثر بقوة على اللغة العربية مما يهوى بها إلى حافة الهوية، والخوف كل الخوف عندما تطغى اللغات الأخرى عليها فلا يكون لها مكان بيننا ونفاجأ بأننا نتحدث اللغات الأخرى، علما بأن الدول اللاتينية لا تنطق العربية إلا فى أوقات مطلوبة، فى زيارة دولة ناطقة بالعربية مثلا، كمصر فى موسم السياحة، وقد لا يهتمون بتعليمها بقدر تعليمها للصغار والكبار عندنا، والحرص كل الحرص على تدريسها فى المدارس والجامعات. كما أن تعليم اللغات المختلفة كبير جدا عن تعليم اللغة الغربية، فكثيرا ممن يتقلدون مناسب عُليا خطاؤون فى الإملاء وفى النطق باللغة العربية، وكأنهم يحصلون على شهادة (تأدية واجب). وبالرغم أيضا توجد دراسات عُليا فى اللغة العربية فى الجامعات المصرية لكن القبول عليها ضعيفا. لا بد من التمسك بلغتنا العربية، اللغة التى هى لغة القرآن الكريم الذى نزل على سيدنا محمد صلى الله عيه وسلم. لم تكن هذه الكلمات وافيه لشرح وتحليل الهوية، ولكن هنـــاك الكـــثير من الدراسـات والأبحاث بخصوص هذا المجال، فالهوية واللغة مجلان مهمان يحتــــــاجان لبحــــث مضنى من الجهات المعنية بهذا المجال، كما أنه يوجد عــــــدد هــــائل من اللغـــــات واللهجات على مستوى العالم. دستور الإسلام : لم يكن دستور الإسلام بالغلظة، لكنه أمر باللين والتمسك بقيمه ومعتقداته، وأنه أيضا جاء للعالمين أجمعين، فأعطى لكل ذى حق حقه، حتى الآخر فشرع له ما له وما عليه، فكان دستورا حكيما منفعا للبشرية جمعاء. تحاول دول الاستعمار إبقاء سيطرتها على العالم فى تقلب الأنظمة وتغير الحكام وتثير الحروب، وتحرق الشعوب ليستمر سيل المنافع والأموال متدفقا عليها من بلاد الضعفاء بغيا وعدوانا. وهؤلاء الإسلام برئ منهم. إن الإنسانية لا يمكن أن تتخلص من هذا الوباء إلا إذا أمسك بسلطة العالم رجال حرم عليهم دينهم الابتزاز، وأمرهم أن يبذلوا أموالهم لفقراء الأرض حتى يشبعوا ويطمئنوا. وهل هنا إلا الإسلام..؟ إن الأمة التى تضع القوانين لتحمى أبنائها من السرقة، عليها أن تضع القوانين لمعاقبة العاق لواديه، والكاذب، والزانى، والمرأة العارية، والأب الأنانى، والزوجة العاصية، والجار المؤذى، والشاهد بالزور، والمغتاب، وبائع الهوى ومثير الغرائز فى النفوس، لأن ذلك كله اعتداء على كرامات الناس وحريتهم. المسؤولية الجماعية : إن فى كل جماعة من الجماعات سواء كان فى العمل أو الحى الذى تعيش فيه، تلقى على الأفراد فيها مسئوليات متعددة، ويحرص الفرد على أن يؤدى دوره فيها بدقة وإتقان. ومهما يعمل الإنسان فليس هناك بُد من أن يتضامن مع الآخرين من أبناء المجتمع حتى يعتدل ميزان الحياة فى الجماعة، ويستمر لأفرادها البقاء فى مناءة وسعادة. وإذا أخل بعض أفراد المجتمع بمبدأ العمل من أجل الجماعة كلها، وأخذوا يعملون ما يرونه مفيدا لهم فقط دون أن ينظروا إلى صالح الجماعة التى ينتمون إليها، وما قد يلق بهم من أذى وضرر، فما يكون واجب المسئولين الذين يوجهون الأفراد فى المجتمعات التوجيه السليم، إذاء هذا السلوك الفردى المعيب، فى هذا المجال من المجلات السلوكية. ويرى النعمان بن بشير رضى الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قوله : مثل القائم على حدود الله والواقع فيها مثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين فى أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا : لو خرقنا فى نصيبنا خرقا ولم نوذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا. هذا درس نبوى عظيم يعلمنا فيه صلى الله عليه وسلم كيف يكون السلوك الفردى متفقا مع الصالح العام للجماعة. هذه المسئولية حق للجماعة كلها، لأن الحديث الشريف الذى أتى يوضح إذا ترك المجتمع عابث بالقيم الاجتماعية يهلك المجتمع كله، لكنه أكد على التمسك بالمسئولية الجماعية التى تقود المجتمع كله إلى النجاة. واجبنا اليوم : نحن اليوم لا بد أن نجتمع على يد واحده، وأن نعتصم بحبل الله جميعا ولا نتفرق.. على الدين، لمحاربة الفاسدين من أعداء الدين. ولا بد من تمثيل واضح لأصول ثقافتنا ورؤية صحيحة لصورتها، ومعرفة شاملة بجوانبها، لا بد لنا من أن نشارك فى حمل لوائها، واستئناف رسالتها. لنفتح من أمامها النوافذ كلها لنستقبل النور والهواء من حيث جاء. أن نرى النور بأعيننا لا بأعين غيرنا، وأن نتنفس الهواء برئتنا لا برئات التى توضع لنا. أن يكون اختيارنا سرا نأخذ ما نريد لا ما لا يراد لنا وعلى الصورة التى نختارها لا على الصورة التى لا تفرض علينا. وأن يحصل كل إنسان على حقوقه كاملة دون افتراء من أحد، لأن كل إنسان خلقه الله عز وجل حرا دون قيود، وقد جعل له السموات والأرض ومن فيهن مسخرات له. فهل هناك أعظم من تكريم الإنسان مهما كان موطنة على وجه الأرض. ويقول الله تعالى فى كتابه العزيز : (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70) يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (71) وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً (72). ويتساءل الأصفهاني، فى مقال الإنسان والعالم، يقول : ما الإنسان ؟ ولماذا وجد على ظهر الأرض؟ وما الغاية من حياة الإنسان ؟ وما مصير العالم ؟ وما صلة الفرد بالمجتمع؟ هذه كلها أسئلة تطوف بذهن كل شخص اليوم، وطافت بأذهان الناس من عرفوا التفكير، وسوف يعرضها الإنسان لنفسه فى المستقبل ما دامت الحياة موجودة. وإذا كان العلم الحديث قد سجل تقدما عظيما منذ القرن الماضى، إذ أصبحت علوم الأقدمين مما لا يؤبه لها ولا يعتد بها، فإن الأخلاق أو العلم بما يجب أن يكون عليه سلوك الإنسان، والفلسفة وهى العلم بالأسباب الأولى والغايات الأخيرة من الحياة، لم يتقدما كثيرا عما وصل إليه العلماء. ونقصد بالعلم الحديث علوم الطبيعة والحياة، وهى التى تعتمد على مشاهدة الظواهر الكونية وتسجيلها واستنباط القوانين التى تحكمها ثم تسخيرها لمصلحة الإنسان. وقال الراغب فى خطبة الكتاب : كن أيها الأخ عالما، وبعلمك عاملا، تكن من أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. وقال : وأعلم أنه قبيح بذى العقل أيكون بهيمة وقد أمكنه أن يكون إنسانا. قال : وأن أردت أن تعرف بقاء العلماء الأتقياء فاعتبر ما قال أمير المؤمنين على كرم الله وجهه : مات خزّان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقى الدهر. ومن الأسباب الدالة على إمكان تغير الخلق أنه لو لم يكن كذلك لبطلت فائدة المواعظ والوصايا، والوعد والوعيد، والأمر والنهى، ولما جوز العقل أن يقال للعبد لمَ فعلت ولمَ تركت. ثم إننا قد وجدنا فى بعض البهائم هذا ممكنا، فالوحشى قد ينتقل بالعادة إلى الناس، والجامح إلى السلاسة، غير أنه إذا كان فى الإمكان تغير الخلق، فالوراثة أثر فى الطباع تجعل تغييرها صعبا. وفى ذلك يقول إن (الأخلاق نتاج الأمزجة، ومزاج الأب كثيرا ما يتأدى إلى الأبن كالألوان والخلق والصور، ومن أجل تأديها إليه قال صلى الله عليه وسلم : تخيَّرُوا لِنُطفِكم الأكفَاء). والخير ثلاثة : نافع ، وجميل، ولذيذ. وسبيل الوصول إلى السعادة هو الجمع بين مختلف الفضائل، خصوصا الفضائل النفسية، والمال والأهل، والعز، وكرم العشيرة هى الأشياء النافعة فى بلوغ الفضيلة الحقيقية، والسعادة الأخروية. أما فى حال المرآة المسلمة، فيقول سعيد الأفغانى : فإذا هى حال خير من حال المرأة فى كثير من الحضارات القديمة والحديثة، وإذا هى حال ملائمة لما يطمح أليه الإنسان الكريم من استكمال الشخصية والكرامة فى هذا العصر الحديث، فالمرأة شخصيتها الكاملة، ولها حقوقها المدنية والاجتماعية والاقتصادية كأحسن ما تطمع المرأة الحديثة فى الحقوق، فإذا كانت هناك خصائص قد يزَوَرُّ عنها التفكير الحديث فإنما هى أمور قضت بها ضرورة التطور، وهى فى نفسها خليفة أن تلائم حاجة الناس إذا فكروا فأحسنوا فى التفكير. وأما الذى لا يعين ولا يستعين، فهو إنسان متروك قد منع خيره وقمع شره، فهو لا صديق يرجى، ولا عدو يخشى، فلا هو مزمزم لقمع شره، ولا هو مشكور لمنع خيره، وإن كان باللوم أجدر. فأما الذى يستعين ولا يعين، أى : الذى يطلب العون من غيره، ولكنه لا يقدم عونا لغيره.. فهو إنسان لئيم.. ليس لمثله فى الإخاء حظ، ولا فى الوداد نصيب. وأما الذى يعين ولا يستعين.. أى : الذى يعطى أكثر مما يأخذ.. فهو إنسان كريم الطبع، مشكور الصنع، لأنه قد حاز فضيلتى الابتداء والاكتفاء ، فهو أشرف الإخوان نفسا، وأكرمهم طبعا. * * والإنسان به نزعات داخلية تقودة إلى تحقيق رغباته ونزواته حتى تشبع نفسه، فإما كان رضيا أو سويا ، وإن كان ميسر أو مخير، فما يفعله مقدر ومكتوب بإرادة الله تعالى، فمن أصلح فلنفسه ومن أساء فعليها، وهذه الدفاعات التى بداخله مثل، الرغبة، والغرور، والطمع، والقناعة، والجشع، وغيرها. الطمع : هناك أنواع عديدة للنفس البشرية، فمنها الطماعة ومنها القنوعة ومنها الغرورة ومنها الطيبة ومنها الشريرة، والمتشبعه والجحودة وغيرها وغيرها من الصفات الحميدة والخبيثة. وإذا بحثنا فى كل منها أو عرفنا خصائص كل نوع من هذا لنجد الكثير من الأسرار والعجائب التى تبهر العين وتحير العقول. والنفس البشرية متقلبة بطبيعتها تكره وتحب، وتنسى وتتذكر وهناك من تراها غاضبة ومن تراها فارحه ومستبشره، والطماعة وهو حديثنا عنها، هى من لا تمتلئ قناعة الإنسان بما يقسمه الله له، فهى ميوله للطمع والجشع دائما، فى حب السيطرة على مجريات الأمور، ومحاولة فرض الذات، فالطمع من أسوء رذائل الإنسان فتلصق به عند نظراته لما فى أيد غيره، لأن الطمع يجعل غرائز الإنسان تتجه إلى غرورة فى جمع المال مثلا، فلو كان للإنسان جبل من ذهب لتمنى الثانى، وأيضا هناك مقولة يعلمها الكثير، وهى الطمع يقل ما جمع، فطمع الإنسان للأشياء تجعل النظرة إليه شهوة وبعدها حقد وبعدها كراهية ونبذ الذات، ولم تهدأ غريزته إلا تملك هذا الشئ. وهناك مقولة أخرى وهى : لا يملئ عين أبن آدم إلا التراب. والطمع ليست صفة، ولكنه رذيلة سيئة عند الإنسان، فلا يخلوا لإنسان على وجه الأرض إلا وفيه غريزة الطمع،، ولم تزول هذه الرذيلة إلا بالقناعة، والطمع يطمث القلوب، وهو من بُعدّ عن الله عز وجل، فالطمع يكتسح قلب الإنسان لأن لا مكانة للضمير، فالضمير الحى يمنع غزيزة الطمع وأن تطغوا على أفعاله، لكن الطمع يطرد الرحمة من القلب، لأن الطمع والرحمة لا يجتمعان فى قلب البشر، فإذا وجدت الرحمة أو الضمير، لا تجد للطمع مكانا، وكأن الحسنات تطارد السيئات، فكم من طامع جمع مالا وعدده لكنه لم يفلح، وكم من مُطمع ذهبت ثرواته سُدى، مثلما حدث لقارون، جمع ثرواته ولما طلبوا منه الأنفاق قال أنه هو الذى جمع هذا المال، فقد نسى قدرة الله عليه، لذلك خسف به الله وبداره الأرض. فالطمع عادة سيئة إذا أصيب بها الإنسان كان له وباءا فى حياته وفى معاملاته مع الآخرين، وكان منبوذا من رحمة الله. فالنفس البشرية لا تخلوا من هذه الرذيلة السيئة، وكثيرا ما نراها الآن فى واقعنا الحاضر، نراها فى الأخ الأكبر الذى يريد السيطرة، نراها فى عائلات ترفض أن ترث الأنثى حتى ولو ملكوا مال قارون. وعادة الطمع والجشع نراها أيضا فى كثير من الحياة المختلفة، نهيك عن تعامل السائقين بين بعضهم البعض، والصراع اليومى الدائر بين السائق والراكب، فى رفع الأجرة إجبارى، فى ركوب الزبائن دون العدد المحدد للسيارة، السطو على دور غيره، تحصيل الأموال عنوة من السيارات تحت التهديد، الإتاوات فى المواقف وخروج ودخول السيارات من المدينة، والكثير والكثير. فكلما طمثت قلوبهم بالطمع والجهالة ازدادوا أكثر فى تفشيها بين الناس، بجهالة مفرطة، وملفته للنظر، إن الطمع داء هذا العصر، وداء خبيث يصعب التخلص منه، علينا وعلى كل البشر مهما اختلفت أجناسهم، وعلينا أن نتخلص منه بالطرق العلمية، والطرق الشرعية، بالرجوع إلى الله وإلى الصلاة وامتلاء المساجد بعمارها، والإسراع إلى اتباع نهج نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، واتجاه نيتنا إلى الله عز وجل فيزيل الطمع من قلوبنا. فإذا ظهر الطمع بين الناس زالت رائحتهم، وإذا زال الطمع بين الناس كانت رائحتهم كرائحة المسك، فصفوا قلوبكم أولا من الضغينة تتخلصون من الطمع، ومن تخلص منه تعيشون بسلام، ومن لا يرضى بقضاء الله وقدره فيعيش عمره تعيسا إلى يوم الدين. وإذا كان الطمع قد بدل الإنسان الذى بفطرته يسير على نهج الإسلام وتعاليمة إلى الطمع فى الأخرين، فلا يمكن أن يصف هذا الإنسان بالفضيلة، بل يصف بالرذيلة التى تؤهلة لمقعد فى النار، والطمع ليس من سمات المسلم الحق، فالمسلم الحق هو الذى يتخلص من هذا الداء كما يتخلص الثوب الأبيض من الدنس بالماء والبرد، فالقلب محله التقوى، ولا بد للإنسان أن يحب لأخيه كما يحب لنفسه. وما أكثر الطماعون فى هذه الأيام ،فلو ملك أحدا جبل من ذهب لتمنى الثانى، وهذه الغريزة لا ينبغى لها أن تكون فى مسلم، لآن المسلم يعلم جيدا بأن القناعة كنزا لا يفنى كما أوضحنا سلفا، وأن الطمع يقل ما جمع، فلو كان الإنسان قنوع بما قدره الله له يكون من السعداء، لآن ماله وتجارته تنمى من حلال، فالله تعالى حثنا على السعى إلى الرزق الذى هو من حلال، حتى تعمر الأرض بالخيرات ولا يعمرها فسادا، فغريزة الطمع لا تجدى للإنسان بشئ، حتى أنه يكون من المنبوذين من أصدقائه وجيرانه وعشيرته. لذلك فإن غريزة الطمع هى نقمة على الإنسان بالدرجة الأولى، فلما لا نقنع بما قدره الله لنا، وأن نكتسب من حلال. القناعة : القناعة كنز لا يفنى. نعم هذه المقولة فى محلها، ونادرا ما نراها فى زمننا الحالى، فزمننا الحالى انعدم فيه صفة القناعة، لشتياه الإنسان للثروة والسيارة والعروسة، الثلاثية الملتصقة بالإنسان منذ ولادته. والقناعة تنبع من إشباع الإنسان بما قدر الله فى رزقه، فالقناعة والطمع لا يجتمعان فى إنسان واحد، بل إن القناعة تطرد الطمع إذا وجدت، ونرى القناعة فى مظهره، وفى نظرته للواقع والمحيطين به، لأنه إذا كان الإنسان ينظر لأعلى منه فإننا نقول بلا تردد هو طماع، وإذا قُنعّ بما قدر الله له فى رزقه نقول عنه قنوع. وغريزة القناعة تبدو عند الإنسان ضعيفة، لأن الإنسان تطغوا غريزة الطمع على غريزة القناعة بمقدار أعلى، فالقناعة كنز لا يفنى كما تقول الحكمة، وهى أيضا إشباع رغباته بعدم التطلع إلى من هو أعلى منه فى الغنى، ولقد كان الإنسان قنوعا عندما يرضى بحياته الوقعية حتى ولو كان فقرا، لأن القناعة هى من سمة الإنسان الطيب الذى يعلم بأن الرزق من الله عز وجل، ولأن الإنسان مهما ضرب الأرض ضربا وفجر الينابيع أو وصل إلى عنان السماء فلا ينال إلا ما قد كتبه الله له، فإن كان يتميز بالقناعة أعطاه الله من حيث لا يدرى، وإن كانت خصلة الطمع فيه فتطمث أعينه حتى لا ينال رضا الله. وعندما نبحث ونغول فى قلب الإنسان، نجده بعيدا بعيدا عن القناعة إلا فى فيئة قليلة ممن ترضى بقضاء الله وقدره، وفى عالمنا هذا كثيرا ما نجد الصراع على امتلاك المال بأى طريقة، أو أى حيلة كانت، حتى ولو راح من أجلها ضحايا بالآلاف، لأنهم يملكون السلاح، وهنا السلاح آلة من الشيطان، مسخرة لسطو الإنسان على ما لا حق له فيه بالقوة، وقد نهى عن ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم، ونهى عن مجرد التوجيه بالآلة أو السلاح فى وجه المسلم أو غير المسلم. وطمث العين لا تجعل للإنسان مجالا فى التحلى بالقناعة، إلا الذين عرفوا وعلموا أن الله وحده هو المتحكم فى مصير الإنسان، فيترك رزقه لله ولقدره. والغرب معدومى منهم هذه الصفة، لأن هناك صراعات خطيرة تواجه الإنسان، وحب السيطرة تطغوا على الجماعات هناك. لذلك كانت هناك آراء فى مسألة القناعة، مما أكد كثيرا من الناس بأن هذه الصفة تجدها فى الشعب المصرى بنسبة 40% وفى دول الوطن العربى 30% وفى الغرب شرقة وغربه من 10 – 20% ، وهذه نسبة تقديرية غير وافية الدراسة، ولكن الشكل العام يدل على ذلك، وما نجده حولنا الآن، النتيجة صفرا، لأن قلب الإنسان تطبع على حب الطمع، أو بالأحرى ميوله دائما للطمع، وحب البقاء، فالصراع الدائم إلى يوم القيامة هو الصراع من أجل البقاء، أنا وولدى والطوفان. والناظر للقناعة يجد منبعها الأول من القلب الصافى الذى يتحلى بروح الفضيلة، والقنوع هو الإنسان الخلوق الذى لا ينظر لما عند غيره، فالإنسان الذى ينظر بعين الرضا، يقول الحمد لله، هو إنسان غير انتهازى، آبى ورافض الحرام بكل أنواعة، يتنصل إلى الحلال آتى أو لم يأتى، لم يطمع بذرة من حرام على الإنفاق على أولاده، لا يطعمهم من سُحت حتى لا يكون جزائه النار. نعم ففى عالمنا هذا نجد أوناس تنبت أحسادهم من سُحت، كفرض الأتاوات على الطرق مثلا، وهم ليس لهم حق فى ذلك. فالمسلم الحق عليه أن يتحلى بصفة القناعة، لأن القناعة فعلا كنز لا يفنى، فهى باقية عند الله، باقية فى ميزانه إلى يوم الدين. الرغبة : الرغبة هى الشعور الداخلى للإنسان بإمتلاك الأشياء النفيسة عنده على اختلاف أنواعها، ولم يخلو لإنسان على وجه الأرض إلا وبداخله صفة الرغبة، والرغبة جاءت من الراغب، والراغب هو ما يتمنى الإنسان لنفسه، فالرغبة تقال عند أشياء كثيرة، مثل الرغبة فى النجاح، الرغبة فى تحقيق الذات ومراتب عُليا، الرغبة فى التقدم إلى الأفضل دائما، فالرغبة لدى الانسان هى من محاسن الصفات التى تجعل الإنسان يتجه إلى التطلع دائما إلى عالم أفضل فى الوصول لذاته، حتى اشباع نفسه مما يشتهيه، فالإنسان الذى يقبل على التعليم مثلا تحقيق لرغبته فى الحصول على أعلى مراتب العلم، فرغبته فى حصوله على مؤهل عال، ورغبته فى حصوله على الماجستير ومن بعدها رغبته على الدكتوراه وهكذا. والإنسان لديه رغبة كائنة فى ذاته، عندما يجد مايسره تخرج الرغبة المكبوته بداخله إلى التفكير فى كيف يصل إليها، لتحقيقها مشبعا نفسه الداخلية فيتولد عنده إشباع ذاتى مواتى لرغبته التى يرغب أن تحقق فالإنسان بذاته يتطلع إلى ما هو أفضل فى حياته وإلى الأمل، وهنا تتحقق الرغبة فى الوصول إليها، فمن يشتهى الزوجة الصالحة، والفتاة الجميلة ذو الحسب والنسب، فيرغب أن تتحقق رغبه لها، وهكذا فى تطلع الإنسان إلى الأشياء الأخرى. والمضاد لها، المعاكس له فى الاتجاة، هو عدم الرغبة فى تحقيق التفاهات، أى أن عدم الرغبة عند إنسان تختلف عن إنسان لأخر، وبشكل مختلف بمعنى أن الإنسان السوى لديه رغبة فى فعل الفواحش، وهذا ما نجده فى إنسان يتميز بغلاظة القلب، فلديه المحرمات كالحلال لا فرق بينهما، لأنه لم يتعود على النهى عن المنكر واتجاهه هو ارتكاب المعاصى، أما الإنسان الذى يفرق بين الحق والباطل لديه عدم رغبة فى غضب الله عز وجل أولا، وهو يضع هذا نصب عينيه كل ثانية تمر عليه، فلا يقبل المال الحرام، ولم يقبل على الزنى، لأن هاتين الخصلاتين هما أشد شهوة عند الإنسان، فإذا توافرت عنده هذا أصبح إنسانا سوى، فسرعان ما يقبل عليهما دون التنبه بأن الله تعالى يراه. وإذا توافرت الرغبة فى العلم والعمل مثلا، فلا يتردد الإنسان فى الرغبة فى تحقيقها، وهنا الرغبة تبدو حميدة وحسنة لا شبهة فيها، والسعى إليهما من المبوحات. فالله تعالى يقول لعبده أسعى يا عبد وأنا أسعى معاك.. وهذا صحيح. ويقول : رب زدنى علما، وهذه الآية الكريمة موجهه للإنسان الذى يرغب ويشتهى إزدياد تعليمة، لأن العلم لا حدود له ولا قيود، فهو متاح ومباح للجميع حتى ولو فى الصين، كما قال صلى الله عليه وسلم : أطلبوا العلم ولو فى الصين.. وجاءت كلمة الصين مجازية لأن الصين أبعد بلاد الدنيا. الرغبة فى الرزق، الرغبة فى الأولاد، الرغبة فى العلم، كل هذا وأكثر هى من محاسن الرغبة عند الإنسان، والرغبة فى إزاء الناس، أو قذف المحصنات بغير علم ليس من شيم المسلم. فالحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور متشابهات، والإنسان الذى يفرق بين الحق والباطل هو الذى يعرف كيف يرغب الأشياء الثمينة متمنيا من الله تحقيقها، لأن الرغبة مرتبطة بصلة وثيقة بالتمنى، والتمنى ما يتمناه الإنسان من ربه، فإذا تمنى العبد شيئا صعب المنال، لا يتردد لحظة واحده فى اللجوء إلى الله لأن الله وحده هو المطلع على سر القلوب، لأن النية محلها القلب، والنية ما نوى المرء أن ينوى فعله، فمنها نيه صافية ومنها نية خبيثة، وكل ذلك يعلمها الله لأن الله يعلم السر وأخفى. فالإنسان أولا وأخيرا عليه أن يفكر والله عليه التدبير، والله الذى يبعث للإنسان عمله، إن كان خيرا فسيرى خيرا، وإن كان شرا فسيرى شرا، فلو كان هذا الإنسان ضرب بمعاوله أينما كان فلا ينال إلا ما يسره له ربه.. الغرور : الغرور فجور. هذه مقولة حقيقية قيلت فى محلها، لأنها آفة من آفات الزمن قد أصابت أوناس كثيرون، وهى أيضا من آفات الخبث والرذيلة للإنسان، والإنسان المغرور قد يؤدى به إلى عالم التفاخر والتباهى بنفسه، فإذا أصابته هذه الآفة المنبوذة من المجتمع جعلته إنسانا سوى مُضار لأهله وبيئته. والغرور كلمة جاءت من غر غرا بالإنسان، فالغر هو المكيدة، فالغرور هو الذى يبدى بزينته لمن حوله، ويبدى بمحاسن نفسه متعاظما بها، سواء بماله أو بعمله أو بعلمة، أو جماله، ففى المال إذا أغتر الإنسان بماله هلكه الله، وجعل ماله حسرة عليه، وأبدله الله فقرا بعد غنى وذلا بعد عزا، فمن افتخر بنفسه فهو إنسان يتطلع بأن يفرض نفسه على الآخرين بالقيل والقال، ومن الممكن أن يساعده أخرون ممن يأكلون منه مالا أو يطعموا من طعامة، يريد بذلك أن يمدحه الآخرين بما صنع. فكما يقولون أطعم الفم تستحى العين، وبذا يكون بذلك قد سخر له أشخاصا يحركهم على هواه، فيقولون ما يقول. وعندما نفتش فى النفس البشرية، نجد آفة الغرور هذه تسيطر على كيانه، إذ أن الإنسان المغرور هو من يعتلى بنفسه على أخوانه كأنما يعتلى عرش حكم، ويقول أنا كذا وكذا وفعلت كذا وكذا، وإن كان قد صنع حقا، فيريد أن يجمع من حوله رفاقه الذين يسيرون على دربه. والغرور آفة سيئة لا تنبغى أن تكون فى إنسان ذو قيمة يعرف حق المجتمع عليه، إنسان له ثقله فى المجتمع، لأنه فاجأة يرتد إلى الحضيض، فالله عز وجل يعز من يشاء ويذل من يشاء، كما أغتر موسى عليه السلام بعلمه، رغم أنه عليه السلام نبى، لكن الله تعالى دله على من هو أعلم منه، ومن عنده علم أكثر منه، وهو سيدنا الخضر عليه السلام، رغم أن موسى نبى والخضر ولى فالولى يعلم النبى، وهذه حكمة من الله عز وجل، فالله أعطى للولى علما أكثر من النبى، وهذا ما جاءت به الآيات الكريمات فى سورة الكهف، فى قصة سيدنا موسى عليه السلام مع الخضر. وأيضا كما قلنا فى خصلة الطمع عن قارون عندما أغتر بنفسه فلبس أحسن ما عنده من ثياب وتزين وخرج على الناس من أهله متفاخرا بثروته، فالذين تمنوا مكانته قد رجعوا إلى صوابهم عندما خسف الله به وبداره الأرض، والذين يعرفون أن الأخرة حق وجدوا أن الدنيا فانية. فالعز والذل بيد الله، والله يقول فى كتابه العزيز: لا تمش فى الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا. هذه الآية الكريمة قد قالت خلاصة الغرور بالنفس، ومهما كان الإنسان بقدرته وجبروته سيعود إلى ما كان إن شاء الله أن يذله ويبدله فقرا بعد عزا، فالغرور كائن شيطانى فى قلب الإنسان الذى تسيطر عليه هذه الغريزة الشيطانية، فمن يغتر بنفسه مهما كان، فى ماله، فى ملبسه، فى عمله، فى أى شئ عليه أن يتذكر قدرة الله عليه. وكلما كان الإنسان مغترا بنفسه، فهو منبوذا من الطبيعة التى تحاطه، أيضا من المحيطين به أهله وعشيرته، لأن الغرور تؤدى به إلى الفجور، والفجور يؤدى إلى الجبروت، وإن كانت خصلة الجبروت فى الإنسان، كان غضب الله عليه أشد، وغضب الله لا يستهان به فكم من مغرور حطت به الدنيا على قاع المجتمع، كما كان فرعون وهامان اللذان أغتروا بأنفسهم، وقال فرعون لمن حوله أنا ربكم الأعلى، فأغرقه الله فى اليم هو وجنوده، ولم يستطع فرعون أن ينجوا بنفسه، حتى كاد أن يغرق، لكن الله نجاة ببدنه لكى يكون لمن حوله آية، فغرور فرعون ليس غرورا عاديا، لكن كان غرورا وجحودا شرسا عندما ادعى الآلوهية، فقتل واغتصب وقتل الأطفال وسرق ونهب وكذب موسى عليه السلام، فأعطاه الله تسع آيات قبل أن يغرقه فى اليم، وهم الضفادع والقُمل والبرص وما إلى ذلك حتى التسع آيات. أيضا النمرود الذى أغتر بنفسه هو أيضا، حتى أصيب بذبابة قد سكنت رأسه ولا تهدأ إلا بضرب القبقاب على رأسه. وكان النمرود هو من قال للأرض يا أرض أتهدى ما عليك أدى. هذا الصعلوك الذى لا يعلم عظمة الله تعالى، أن الله قادر على هلاكه فى لحظة، وأن الله له بالمرصاد، له ولمن كذب على الله. فكان جزاء المغتر جهنم، يصلاها مزموما مدحورا، فآفة الغرور هى آفة تبخس بالإنسان إلى الذل والهوان، فعلينا جميعا بنى البشر أن ندرك هذه الخطورة الجمة، وأن نسرع لنتجنبها لأن الغرور من الشيطان، والشيطان يريد أن ننغمس فيها لأن هذه الآفة من الكبائر، فالله يريد لنا أن نتجنبها ويريد لنا خيرا، منتهى عن الغرور، تنعم بما أنعم الله عليك بفرح وسرور. صنع الله : كل البشر على وجه الأرض، هو من صنع الله سبحانه وتعالى، باختلاف ألسنتهم وألوانهم، من جماد وحيوان ونبات مسخر للإنسان، وقد خلقه الله ليعمر الأرض بالذرية الصالحة حتى كادت الدنيا تمتلئ بالبشر، ولكن أرض الله واسعة، وفيها أمره الله تعالى بأن يهاجر فيها إذا ضاقت عليه أرضة، فرحمة الله واسعة وكافية لأن تحوى هذا البشر الكثير، وبعد ما عمرت الأرض كثر التعاملات بين الناس وبين مختلف الأجناس، ليس التعامل مع الأبيض فقط ولكن التعامل مع الأبيض والأسود على السواء، إن شريعة الإسلام السمحة قد يسرت للبشر فى شرق الأرض ومغاربها التعامل مع الذمى، والتعامل مع أهل الكتاب بالحسنى والعمل الصالح، رغم اختلاف ثقافتهم ورغم اختلاف حضارتهم. ومنذ أن أوجد الله تعالى هذه الحياة، وهى صراع بين الحق والباطل، ونزاع موصول بين الخير والشر، وعراك متواصل بين الأخيار والأشرار، وخلاف لا يكاد ينقطع بين الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا، وبين الذين إن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا، وإن يروا سبيل الغى يتخذوه سبيلا.. وصدق الله تعالى إذ يقول : (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) سورة البقرة : الآية 25 أى ولولا أن الله تعالى يدفع أهل الباطل بأهل الحق، لفسدت الأرض، ولعمها الخراب، لأن أهل الفساد إذا تركوا من غير أن يقاوموا، اشتد شرهم، وتغلبوا على أهل الصلاح والاستقامة، وتعطلت مصالح الناس، وانتشر الفساد فى الأرض. فالآية الكريمة تأمر الأخيار فى كل زمان ومكان، وأن يقفوا فى وجوه الباغين المغرورين، وأن يقاوموهم بكل وسيلة من شانها أن تحول بينهم وبين الفساد والطغيان. والأمم التى تريد أن تحيا الحياة الحرة الكريمة، لا بد أن يكثر فى أبنائها عدد الذين يضحون من أجل عزتها وكرامتها بأموالهم وأنفسهم، والذين يعيشون من أجل إعلاء كلمة الله، ومن أجل الدفاع عن عقيدتهم وعن حقهم الذى أمرهم خالقهم بالتمسك به، وبعدم التفريط فيه، لأن تفريطهم فيما كلفهم الله الحفاظ عليه، سيؤدى على هوانهم وذلتهم. غيرة الإنسان : فالإنسان بطبيعته غيور، يغار على وطنه وعلى عرضة وعلى أرضه، فإذا أغار عليه معتدى قام من فوره يعد له العدة للدفاع عنه، وكذلك عن عرضه وأرضه وشرفه، ولم يستسلم لهواءات الآخرين، بل يقدم روحه فداءً لهم حتى ولو أدى ذلك إلى موته. وتقبلنا للأخر ليس لقوته العسكرية، فنحن قد خُلقنا على الفطرة، لنا ما لنا وعلينا ما علينا، ودليل على ذلك دولة من دول الجوار، لا نتقبل ثقافاتهم لأنهم أغاروا على شعب عربى لا ذنب له بانتهاكات يرفضها الشرع، يتصارعون من أجل الاستحواذ على الأرض فأرهبوهم وقتلوهم وسلبوهم، هذا الآخر فلا يحظى بأى تقبل منا حتى ولو أوتوا من العلم مبلغه. وخلاصة القول : إن من صفات الأخيار من الناس، أنهم يتأثرون برؤية المحتاجين، ويعملون على سد حاجتهم، وعلى إعطائهم ما يصون لهم كرامتهم ولقد ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم أروع الأمثال فى التأثر لمناظر البائسين، وفى الحض على عونهم ومساعدتهم. وإذا كان السخاء من شأنه أن يولد بين الناس المحبة والمودة والألفة والتكافل والتراحم، فإن البخل يولد الشحناء والبغضاء والأحقاد، ويؤدى إلى ضعف الأمن وإلى اضمحلال الروابط الإنسانية بين أفرادها. وقال صلى الله عليه وسلم : اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس فإن الأمور تجرى بمقادير. وقال صلى الله عليه وسلم : من جلس على غنى فتضعضع له لدنيا تصيبه ذهب ثلثا دينه. والعزة ليست تكبرا أو تفاخرا أو تطاولا على الناس، فالله تعالى يبغض المتكبرين المغرورين، وفى الحديث الشريف : لا يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر.. وإنما العزة بأن يتمسك الإنسان بكرامته، وأن يصونها عن كل ما لا يليق، وأن ينأى عن كل قول فيه نفاق أو رياء، وأن يبتعد عن كل فعل يزرى بشرفه أو مروءته، ومن أقوال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضى الله عنه : يعجبنى فى الرجل إذا سيم خطة خسف أن يقول بملئ فيه : لا . يخفى الكون أسرارا كثيرة مازال العلماء عاجزون على فك طلاسمها حتى الآن، وهذا من صنع الرحمن فى خلقه، فقال فى كتابه العزيز: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ . هذه الآية الكريمة دليل على قدرة الله التى لا تنتهى فكل لجظة والآخرى نجد ما يدهشنا من اكتشافات عظيمة تهز كيان البشر مجلجا بعظمة الله .. الله أكبر.. فنعم المولى ونعما النصير. * * * صدر للمؤلــــف .. 1- قصتان فى كتـــــاب.. بسمه.. والعصفور الأخضر والعائلة.. وعطلة الصيف.. 2010 2- شعر للأطفـــــــال.. حـــــــوارات.. 2011 3- رواية .. الحياة فى ضوء خافت. 2012 4- سلسلة فوائد للقلب والروح.. نور الكهف (1).. 2013 5- مسرحية.. محفوظ .. ملكا. 2014 6- مجموعة قصصية.. صنعة عزرائيل .. وقصص أخرى. 2015 7- روايـــــة.. بطاقة شخصية.. 2016 8- مسرحيات مونودراما.. فوق الضوء.. الست نظيرة.. شباب أون لاين.. 2017 9-فوائد للقلب والروح (2) . أمور مبهمات فى علم الغيبيات.. 2018 10- دراما إذاعية.. 11- سيناريوهات تليفزيونية وسينمائية.. * * * للتواصل مع المؤلف .. ميت غزال- السنطة- غربية موبايل : 01009482481 Fawzy.yosef16@yahoo.com(f) Fawzy.yosefismail1000@gmail.com (g) Fawzy.Ismail1612@twitter.com (T) قناة السيناريست فوزى إسماعيل.. يوتيوب

مقال بقلم/ فوزى اسماعيل

                                                      تحية لرجال كفر الشيخ مفتاح لسعيهم فى عمل الخير اقر وأعترف بأن رجال كفر الشيخ مفتاح...