الأربعاء، 6 نوفمبر 2019

ثقافة الاختلاف وقبول الاخر


حرية الفكر والتعبير: 
أعطى الإسلام حرية الفكر والتعبير على أن يكون للإسلام الحق فى أن يفكر تفكيرا مستقلا فى جميع شئونه، وما يقع تحت إدراكه من ظواهر فى الكون، بل إن الإسلام حتم على المسلم مناقشة كل رأي يفهمه عقله، ودعاه إلى الفحص والتحقيق والتدقيق، وألا يجعل لمخلوق سلطانا على عقله، وعلى هذا المبدأ الجليل، مبدأ الحرية الفكرية، وقد سار الرسول صلى الله عليه وسلم على هذه الحرية، الحرية فى الفكر والتعبير فى كل أموره وشئونه التى يكون فيها الصالح للمسلمين، والرسول صلى الله عليه وسلم هو أول من عمل بالحرية الفكرية لأنه موجه الأمة إلى فعل الخيرات وسار أيضا الخلفاء الراشدين من بعده على هذا النهج. إن الحجر على حرية الرأي، يهدد سلامة المجتمع أو ينشر الفتنة بين الناس، وقد كانت روح الإسلام ومبادئه تدعوا بأن الأصل فى الإنسان هو الحرية وقد صدق عمر بن الخطاب رضى الله عنه إذ يقول : متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا. 
ولا بد من أن الفكر يكون فى الاتجاه الهادف والبناء وليس للتخريب والدمار وحرية التعبير عن الرأى تكون على أساس سليم يرضى الجميع، ليس معنى أن الإنسان يفكر ويعبر عن أراءه واتجاهاته فيفعل ما يشاء ليس كذلك إنما يعبر ويفكر فى اتجاه المنهج الصحيح الذى الصحيح الذى شرعه الإسلام حتى لا يقع تحت قانون العقوبات. 
حرية الرأى : 
كما يقرر الإسلام حرية العقيدة، فإنه يقرر كذلك حرية الرأى، لأنها من أهم الوسائل لرقى المجتمع، إذ تتيح لأصحاب العقول الرشيدة، والآراء السديدة أن يشاركوا فى سياسة الأمة، ويسهموا فى حل مشكلاتها، كما أن الآراء إذا اشتركت فى بحث موضوع، ظهر ما هو نافع، وأخذ بالرأى الأصوب والأصح. لذلك أطلق الإسلام للناس حرية التفكير، وإبداء الرأى لصالح الفرد والجماعة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم معلم البشرية وهادئ الأمة كان يعرض الأمر على أصحابة ويعمل برأيهم حين يراه صالحا، (كما أوضحنا سلفا). وقد فعل ذلك فى غزوة بدر وأن المؤمنين بأن يجهروا بقول الحق لا يهابون أحدا فيه، وقد روى الترمذى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا يمنعن رجلا هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه. وقد طبق عمر بن الخطاب، عندما قال له رجلا من المسلمين.. فى موقف من المواقف.. 
أتق الله يا أمير المؤمنين، فقال بعض الحاضرين: 
أتقول لأمير المؤمنين اتق الله ؟ فقال عمر : دعوة فليقلها لى. نعم ما قال : لا خير فيكم إن لم تقولها، ولا خير فينا إذا لم نقبلها. التسامح : التّسامح مفهوم يعني العفو عند المقدرة، وعدم ردّ الإساءة بالإساءة، والترفّع عن الصّغائر، والسُّموّ بالنّفس البشريّة إلى مرتبة أخلاقيّة عالية، والتّسامح كمفهوم أخلاقيّ اجتماعيّ دعا إليه كافّة الرّسل والأنبياء والمصلحين؛ لما له من دور وأهميّة كبرى في تحقيق وحدة، وتضامن، وتماسك المجتمعات، والقضاء على الخلافات والصّراعات بين الأفراد والجماعات، والتّسامح يعني احترام ثقافة وعقيدة وقيم الآخرين، وهو ركيزة أساسيّة لحقوق الإنسان، والديمقراطية والعدل، والحريات. التسامح الإجابى الشامل : 
وجاء فى دراسة للإستاذ الدكتور .. (محمود حمدى زقزوق) : فى دراسات إسلامية عن التسامح فيقول :
 ولا شك في أن وعينا بأننا خطّاؤون يواكبه في الوقت ذاته وعينا بمسئوليتنا التي ترتكز عليها كرامتنا الإنسانية، الأمر الذي يمكّننا من السلوك القويم المتسامح حيال الآخرين الذين يشاركوننا في الإنسانية، والذين ينبغي أن يربطنا بهم رباط التضامن الإنساني المشترك. والتسامح -كما ألمحنا- يقوم على الاعتراف بحرية وكرامة كل إنسان، ونحن مطالَبون أخلاقيّا ودينيّا أن نكون متسامحين مع كل البشر بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية والثقافية والدينية والأيديولوجية. ولا يكتفي الإسلام بتعليم أتباعه هذا التسامح الشامل بوصفه شرطاً من شروط السلام الضروري للمجتمع الإنساني، بل يطلب منهم أيضاً الالتزام بالسلوك العادل الذي لا يقبل بالآخر فحسب، بل يحترم ثقافته وعقيدته وخصوصياته الحضارية. وخَير وصف يمكن أن نطلقه على هذا التسامح أنه تسامح إيجابي وليس تسامحاً حيادياً. وفي هذا يقول القرآن الكريم: 
﴿لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُــــوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُــــمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ 
ومن الملاحظ في هذه الآية وفي آيات أخرى كثيرة أن القرآن لم يستخدم أسلوب الأمر بطريق مباشر، وإنما استخدم أسلوب التنبيه والتوجيه الذي يتطلب استخدام العقل الإنساني. 
ومن عادة القرآن أن يعالج المشكلات بطريقة متدرجة تتفق مع ثقافة كل فرد، والإسلام لا يريد أن يقول للناس كلاماً ليحفظوه ويعملوا به بطريقة آلية، وإنما يريد تربية النفس وتحقيق الذات والعمل المسئول الذي يؤدَّى عن اقتناع.
ويشتمل النص القرآني الذي أوردناه على ثلاثة أمور 
أولها : أن الله سبحانه وتعالى لم ينه عن التسامح مع الآخرين. 
وثانيها: أن التسامح مع الآخرين الذين لم يعتدوا على المسلمين والتعايش الإيجابي معهم بالبر والقسط هو العدل بعينه. 
وثالثها: التأكيد على أن من يسلك هذا السبيل يَحظَى بحبّ الله سبحانه وتعالى.وبهذا الأسلوب المقنع الذي يخلو من الإكراه على فعل شيءٍ ما أو الامتناع عنه تصل الرسالة القرآنية .. 
رسالة التسامح .. إلى النفوس في يسر وسهولة، وتحقق الهدف المطلوب وهو نشر التسامح بين الناس على أوسع نطاق. 
التسامح والتعددية :
 ومن هنا لا يجوز أن يُنظر إلى اختلاف الجماعات البشرية في أعراقها وألوانها ومعتقداتها ولغاتها على أنها تمثل حائلاً يعوق التقارب والتسامح والتعايش الإيجابي بين الشعوب. فقــد خلق الله الناس مختلفِين: 
﴿وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ .. إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ﴾ (هود: 118-119)، كما يقول القرآن الكريم. ولكن هذا الاختلاف بين الناس في أجناسهم ولغاتهم وعقـــائدهم لا ينبغي أن يكون منطلقاً أو مبرراً للنـزاع والشقاق بين الأمم والشعوب، بل الأحرى أن يكون هذا لاختلاف والتنوع دافعاً إلى التعارف والتعاون والتآلف بين الناس من أجل تحقيق ما يصْبون إليه من تبادل للمنافع وتعـاون على تحصيل المعايش وإثراء للحياة والنهوض بها. ومن هنا يقول القرآن الكريم: ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ الحجرات الآية 13 والتعارف هو الخطوة الأولى نحو التآلف والتعاون في جميع المجالات. 
التسامح والحوار: 
إن الحوار في معناه الصحيح لا يقوم ولا يؤدي إلى الهدف المنشود إلا إذا كان هناك احترام متبادل بين أطراف الحوار، واحترام كلِ جانب لوجهة نظر الجانب الآخر. وبهذا المعنى فإن الحوار يعني التسامح واحترام حرية الآخرين، واحترامُ الرأي الآخر لا يعني بالضرورة القبول به. 
وليس الهدف من الحوار مجرد فكّ الاشتباك بين الآراء المختلفة أو تحييد كل طرف إزاء الطرف الآخـــر، وإنما هدفُه الأكبر هو إثراء الفكر وترسيخ قيمة التسامح بين الناس، وتمهــيد الطريق للتعاون المثمر فيما يعود على جميع الأطراف بالخير، وذلك بالبحث عن القواسم المشتركة التي تشكل الأســاس المتين للتعاون البنّاء بين الأمم والشعوب. والحوار بهذا المعنى يُعــد قيمة حضارية ينبغي الحرص عليــها والتمسك بها وإشاعتها على جميع المستويات . 
والوعي بذلك كله أمر ضروري يجب أن نعلمه للأجيال الجديدة، وبصفة خاصة عن طريق القدوة وليس عن طريق التلقين، ولا جدال في أن الحوار قـــد أصبح في عصرنا الحاضر أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، بل أصبح ضرورة من ضرورات العـــصر، ليــس فقـــط على مســتوى الأفـــراد والجماعات، وإنما على مستوى العلاقات بين الأمم والشعوب المختلفة. 
وإذا كانت بعض الدول في القرن الجديد لا تزال تفضل شريعة الغاب بدلاً من اللجوء إلى الحــوار، فإن على المجتمع الدولي أن يصحّح الأوضاع، ويعيد مثل هذه الدول الخارجة على القيم الإنسانيــة والحضارية إلى صوابها حتى تنصاع إلى الأسلوب الحضاري في التعامل وهـــو الحــوار. 
 فليـــس هناك من سبيل إلى حل المشكلات وتجنب النـزاعات إلا من خلال الحوار. ومن منطلق الأهمية البالغة للتعارف بين الأمم والشعوب والحضارات والأديان .. على الرغــم من الاختلافات فيما بينها- كانت دعوة الإسلام إلى الحـوار بين الأديان. 
 وذلك لمــــا للأديان من تأثـــير عميق في النفوس. ويعد الإسلام أول دين يوجه هذه الدعوة واضحة صريحة في قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْــــلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سـَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْــبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَـــيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران: 64. 
ولم يكتفِ القرآن بمجرد الدعوة إلى الحوار بين الأديان، بل رسم المنهج الذي ينبغي إتباعه في مثل هذا الحوار. وذلك في قوله تعالى: ﴿وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْـلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِـي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْـزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ العنكبوت: 46 
 أما الحكم على الآخرين الذين يشاركوننا في الإنسانية، فيجدر بنا أن نتركه لله جل شأنه؛ وخير لنا بدلاً من ذلك أن نجتهد في أن نسلك حيالهم مسلكاً عادلاً متسامحاً طالما لم يسيئوا إلينا. 
 فالدين لا يحفل إلا بالأعمال التي نتحمل نحن مسئوليتها؛ ولهذا يقول القرآن الكريم في موضع آخر: ﴿وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمْ اللهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ 
التسامح الديني : 
ونظراً لما للدين من عمق عميق في النفوس فإن الحوار بين الأديان لا يمكن أن يكتب له النجاح إلا إذا ساد التسامح بين المتحاورين، وحلّ محل التعصب المعتاد بين أتباع الديانات المختلفة. وقــد حرص الإسلام كل الحرص على تأكيد هــذا التسامح بين الأديان بجعله عنصراً جــوهرياً من عناصر عقيدة المسلمين. 
 فالأديان السماوية جميعها تُعد في نظر الإسلام حلقـــات متصلةً لرسالة واحـــدة جـــاء بهــا الأنبياء والرسل من عند الله على مدى التاريخ الإنساني. 
ومن هنــــا فـإن من أصول الإيمان في الإسلام الإيمان بجميع أنبياء الله ورسله وما أنزل عليهم من وحي إلهي. وفي هذا يقول القرآن الكريم : ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾ البقرة: 285 
ومن أجــل ذلك يمتــاز الموقـــف الإسلامي في أي حــوار ديني بأنه موقــف منفتح على الآخـرين، ومتسامح إلى أبعد الحدود. 
فقد أقر الإسلام منذ البداية التعددية الدينية والثقافية، وصارت هـــذه التعددية من العلامـات المميزة في التعاليم الإسلامية. والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة. فقـــد تأسس مجتمع المدينة المنــورة بعـد هجرة الرسول إليها على التعددية الدينية والثقافية، ومارس المسلمون ذلك من بعده عملياً على مدى تاريخهم الطويل. 
ويؤكد ذلك ما يعرفه التاريخ من أن المسلمين لم يُكرِهوا أحداً على الدخول في الإسلام. فالحرية الدينية مكفولة للجميع، وتعد مبدأ من المبادئ الإسلامية الذي أكّده القرآن الكريم في قوله : ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ البقرة: 256.. 
وفي قوله في موضع آخر: ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ الكهف: 29 ومن القواعد الأساسية المعروفة في الشريعة الإسلامية في شأن التعامل مع أهـــل الكتــاب القاعدة المعروفة : لهم ما لنا وعليهم ما علينا، أي لهم ما لنا من حقوق، وعليهم ما علينا من واجبات. 
ثقافة الاختلاف : 
يجب علينا ترسيخ فكرة الاختلاف، بداية من الخلق وصولا إلى أقوالنا وأفعالنا. ويجب تدريس رأى الأمام الشافعى رضى الله عنه حين قال : رأى صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب. 
إذا أخذنا فى الاعتبار، فلن يثور كل منا من أجل رأيه بل سيكون عليه أن يستمع إلى رأى الآخرين، وإذا أصر على رأيه فعليه أن يقدم الأدلة والبراهين على صدق كلامه، هذا إن لم يكون هذا اللين والرفق فى الكلام، لأن الكلام اللين يغلب الحق البينة، أمام فى ما يتعلق بالأمور الاجتهادية التى تحتمل أكثر من رأى، فكل إنسان يستطيع أن يأخذ بالرأى الذى يميل إليه قلبه. 
وهناك ما يسمى بالقاعدة الذهبية فى فقه الاختلاف لدى علماء المسلمين.. حيث يقولون : نجتمع فى ما اتفقنا فيه ويرحم بعضنا بعضا فى اختلافنا فيه، مثال : هل مصافحة الرجال النساء، والعكس تنقض الوضوء. 
الإمام أبو حنيفة قال : أنها لا تنقض الوضوء. 
الإمام الشافعى قال : أنها تنقض الوضوء. 
وإذا كان حال العلماء الاختلاف، فما بال غير العلماء؟ ولننظر معا إلى بعض من أقوال السلف الصالح، لنتعلم فكرة الاختلاف : قال : يا أمير المؤمنين، إن اختلاف العلماء رحمة من الله على هذه الأمة، كُل يتبع ما صح عنده وكل على هدى وكل يريد الله. روى أن هارون الرشيد قال للإمام مالك رضى الله عنهما يا أبا عبد الله فكتب هذه الكتب ونفرقها فى آفاق الإسلام لنحمل عليها الأمة. 
وقال الإمام مالك : شارونى هارون الرشيد فى أن يعلق الموطأ فى الكعبة، ويحمل الناس على ما فيه.. فقلت : 
 لا تفعلن فإن أصحاب رسول الله اختلفوا فى الفروع وتفرقوا فى البلدان، وكُلُ مُصيب. 
فقال الرشيد : وفقك الله يا أبا عبد الله. 
إن الاختلاف هنا هو مجرد اختلاف فى آراء حياتيه وليس عقائد ثابتة، إذا لا بد من ترسيخ المفهوم لدى الجميع ألا وهو أن نتفق فى الجوهر ونختلف فى المظهر وأن نتعلم ثقافة الحوار والاختلاف، وفكرة الرأى والرأى الآخر، لأن لكل منا عقله وتفكيره، ولا يجب أحد منا أن يقلل الآخرون من شأنه أو يسفهوا رأيه. 
وهذا ما علمنا به القرآن الكريم والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فى حُسن الاستماع للآخرين وأن نجادلهم بالتى هى أحسن، ولم يأمرنا بالقتل أو بسفك الدماء لأن الدين الاسلامى لم ينشر بالسيف. قوله تعالى :
 (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128). سورة النحل من الآية 125-128 
يقول الإمام ابن كثير رضى الله عنه يقول تعالى آمرًا رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يدعو الخلق إلى الله ( بِالْحِكْمَةِ ) قال ابن جرير: وهو ما أنزله عليه من الكتاب والسنة ( وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ أي : 
بما فيه من الزواجر والوقائع بالناس ذكرهم بها، ليحذروا بأس الله تعالى وقوله: وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أي: من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال، فليكن بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب، كما قال: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ .. العنكبوت: 46 فأمره تعالى بلين الجانب، كما أمر موسى وهارون،عليهما السلام ، حين بعثهما إلى فرعون فقال: فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى .. طه : 44 وقال رحمه الله تفسير قوله تعال :
 (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَو َلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ). سورة الحج واعلم أنه يفهم من دليل خطاب هذه الآية الكريمة، أعني مفهوم مخالفتها : أنه من يجادل بعلم على ضوء هدى كتاب منير، كهذا القرآن العظيم، ليحق الحق، ويبطل الباطل بتلك المجادلة الحسنة أن ذلك سائغ محمود لأن مفهوم قوله : بِغَيْرِ عِلْمٍ. أنه إن كان بعلم، فالأمر بخلاف ذلك، وليس في ذلك إتباع للشيطان، ويدل لهذا المفهوم المذكور قوله تعالى : ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. وقوله تعالى : 
وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. 
(تفسير العلامة الشنقيطى رحمه الله) وفي سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أروع الصور الإنسانية، وأسمى المواقف الأخلاقية في التعامل مع الكافرين من يهود ونصارى ومشركين، ليس في العهد المكي فقط، وإنما في العهد المدني وبعد أن جاء نصر الله والفتح المبين. 
كما أن تعامل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع تيار المنافقين في المجتمع الإسلامي، مع خطورة دورهم التآمري على الكيان الإسلامي الناشئ، كان تعاملاً حضارياً راقياً، ينبغي أن يستلهم منه كل مسلم روح التسامح، وسعة الأفق، وقدرة الاستيعاب للآخر. 
منهج الإسلام وسيرة السلف : 
من الظواهر المؤسفة في بعض الأوساط الدينية، سوء التعامل مع المخالفين في الدين أو المذهب أو الاتجاه، حتى أصبحت الغلظة والفظاظة والتجهم والتشدد سمة من سمات التدين عند هؤلاء، وأصبح حتى الاختلاف على بعض المسائل الجزئية الاجتهادية سبباً للقطيعة والعداء. 
وهذا مخالف لنهج الإسلام، ولسيرة السلف الصالح، من أئمة أطهار وصحابة أخيار. فالقرآن الكريم يشجع المسلمين على حسن التعامل والبر بالكافرين غير المحاربين والمعتدين يقول تعالى : 
(لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ( . أي : لا ينهاكم الله عن البر والصلة، والمكافأة بالمعروف، والقسط للمشركين، من أقاربكم وغيرهم، حيث كانوا بحال لم ينصبوا لقتالكم في الدين، والإخراج من دياركم. فليس عليكم جناح أن تصلوهم، فإن صلتهم في هذه الحالة، لا محذور فيها ولا تبعة . 
حيث لم يلجأ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى القوة والقمع ضدهم، رغم استفزازاتهم وجرائمهم، فلم يتعامل معهم كأعداء محاربين، ولم يقتل منهم أحداً، ولم يسجن أحداً، ولم يجلد أحداً، ولم يطرد منهم أحداً. لقد واجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بداية الدعوة معارضة ومخالفة عنيفة من قبل المشركين، ولكنه تغلب على كل ذلك بأخلاقه العظيمة )وإنك لعلى خلق عظيم) ولولا ذلك الخلق الرفيع لما تمكن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من هداية ذلك المجتمع الجاهلي الغارق في الفساد والتخلف، يقول تعالى : 
ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك. 
ولقد ترك الإسلام للإنسان الحرية الكاملة فى تكوين عقيدته، ولم يفرضها عليه بالقوة وإنما اتخذ الحوار أسلوبا فى الدعوة إلى الإيمان، ليكون اعتناق الناس الإسلام ناشئا عن الاقتناع الصحيح، وحتى لا يكون الإيمان تقليدا أعمى دون وعى وإدراك ومع أن الإسلام يجعل الراجل قواما على امرأته، فى كل ما يحقق صالح الأسرة وصالح المجتمع.. فأنه لا يجوز للزوج المسلم المتزوج من كتابيه أن يرغمها على اعتناق الإسلام أو يمنعها من أداء عبادتها وشعائر دينها ولقد أمر النبى صلى الله عليه وسلم اليهود على دينهم فى المدينة بعد أن هاجر إليها وتبعه الصحابة فى هذه السنة الحميدة، فتركوه لأهل الأقطار التى فتحوها الحرية فى البقاء على دينهم أو الدخول فى الإسلام. فقد كفل الإسلام الحرية الدينية لأهل الكتاب فهم أحرار فى عقيدتهم وعبادتهم وإقامة شعائرهم ولهم أن يجددوا ما تهدم منها وأن يبنوا جديدا ولهم دق نواقيسهم إيذانا بصلاتهم، ولهم إخراج صلبانهم فى يوم عيدهم. 
( روى أبو يوسف فى كتابه الخراج أن خالد بن الوليد صالح أهل الحيرة على ذلك). ولم يحدث فى زمن الفتوح أن هدم المسلمون كنائس أهل الكتاب، أو حملوهم على الإسلام، أو اضطهدوهم اضطهادا دينيا أو سياسيا يرغمهم على أن يعتنقوا الإسلام وسيلة للنجاة. 
ويتساوى المسلم والذمى وهما جنس واحد هو الإنسان، لكنهم على ديانة مختلفة فى بعض الأحكام وهى :
 1- هما سواء فى القصاص، فالنفس بالنفس، والعين بالعين، والأنف بالأنف والأذن بالأذن. وهما سواء فى الديات والضمان والتعزيز، يجرى على الذمى ما يجرى على المسلم.
 2- وفى الأحوال الشخصية أبيح للذمى كل زواج يقره دينه، وأن خالف الدين الإسلامى، أبيح له كل طلاق، وإن لم يتفق مع الإسلام وليس للإسلام أن يتعرض للذمين من هذا إلا إذا احتكموا إليه.
 3- سوى الإسلام فى الحرمان من الميراث بين الذمى والمسلم ، فلا يرث المسلم قريبه الذمى ولا يرث الذمى قريبه المسلم ولا يرث الزوج المسلم زوجته الكتابية وكذلك لا ترثه. 
4- أباح الإسلام للمسلمين أن يأكلوا من طعام أهل الكتاب وذبائحهم بشرط أن يكون المذبوح مما يحل للمسلمين أكله، قال تعالى :
 (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ۖ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ). المائدة آية الآية 5 
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين يأكلون طعام أهل الكتاب. 5- أحل الإسلام للمسلم أن يتزوج نصرانية أو يهودية، وتبقى على دينها ولها على زوجها من الحقوق مثل ما للمسلمة. أما زواج المسلم بمشركة فأنه باطل، لأن الصلة القلبية لا تتحقق بين زوج مؤمن بالله وزوجه مشركة.
 6- فضلا عن الحرية فى العقيدة التى سبق ذكرها سلفا. لقد حسم الإسلام الاختلاف مع الآخر، وقد أمرنا بترسيخ فكرة الاختلاف معه ولم يأمرنا بالوقوف أمامه بالمرصاد أو أن نتعقبه ونحاربه، ولكن أمرنا بالكلام معه باللين دليل على معاملة رسول الله مع أهل الكتاب فى بداية ظهور الإسلام فى مكة والمدينة. 
ونرى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى موقف عظيم حين كان يهوديا يضع له الأذى أمام بيته، ولم يكن من الرسول صلى الله عليه وسلم يثور أو يرد له القذارة مثل التى أمامه بل كان الرسول الكريم عليه صلوات الله وسلامه يزيلها دون أن يتكلم، حتى كان يوما خرج رسول الله فلم يجد القذارة أمام بيته فسأل عن اليهودي وعرف أنه مريض، فزاره الرسول صلى الله عليه وسلم وعندما علم اليهودى بأنه رسول الله أسلم. 
هذا يعلمنا أن رسول الله عامل اليهود معاملة حسنه، رغم أنهم يتنصلون له بالمرصاد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعامل أهل الكتاب كالمسلم فى الحقوق والواجبات وكل شئ لأنه رسول الإنسانية بُعث للعالمين كافة. شمل كل الديانات شرعها وما نزل فيها حتى جاءت رسالة الإسلام خاتمه لكل الديانات السماوية. هذا ما أمرنا به الإسلام فى الحياة الدنيا. 
وإنما هناك أمور عديدة فى تغيير الهوية هذا الزمان، لأن كثيرا من الناس يجهل ما جاء به الإسلام، لعدم القراءة أو لضعف القراءة والإطلاع فى الدين، فلا يعرفون إلا قليلا من خطبة كخطبة الجمعة أو برنامج تليفزيونى أو حتى قراءة كتاب دينى فى المدرسة أو ما شابه ذلك. 
لكن المعلومات عند الشباب ضعيفة فى هذا المضمار لأسباب : أولها، ظهور التكولوجيا بقوة بين الشباب . 
وهذا الظهور أدى إلى انصراف الشباب عن القراءة، مما رسخ فى عقولهم أن استعمال الموبايل أو الانترنت هذه الأيام أفضل مما سبق. 
ثانيا، تعلق الشباب بالمشاهد الإباحية والذى أخذ جانبا كبيرا من حياتهم. ثالثا، ليس هناك برنامج دينى يظهر بقوة يغير فكر الشباب عن التعامل مع الأخر باستثناء برامج تظهر على القنوات المحلية، نهيك عن الفتوى الظالمة التى نراها عبر الفضائيات، فهم يقولون ما لا يعلمون لأنهم لم يستندوا على المذاهب الأربعة التى أصبحنا نسمع عنها أنها غير صحيحة، حسب كلام الشباب أو الذين ظهروا على الفضائيات وقالوا عنهم ظلما وزورا. 
رغم أن الفقه الصحيح من المذاهب الأربعة ومن يخرج عنها فهو ظالم. الرسول صلى الله عنه قال : 
أنتم أعلم بشئون دنياكم.. 
مما له دلالة على أن العلم فى الإسلام غير محدود بحد معين. وبهذا الحديث يفتح الباب واسعا أمام العقل ليستنبط من أنواع العلم والمعرفة. فى هذا القرن تغيرت الحياة عن زمن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين، وظهرت فيه العادات والتقاليد سواء عند الغربيين أو عند الشرقيين، وأقصد بهذا أنه لم يعد أحدا يحكم بما نزل الله إلا منطقة الحرمين الشريفين، فليس العلم كله على دين واحد فهناك أديان بأعداد هائلة لم يتصورها الإنسان، وهناك لغات كثيرة وعديدة على مستوى العالم، وربما كلمة واحده تنطق فى أماكن كثيرة بلغة مختلفة عن الأخرى. لا بد من إطلاله على اللغات واللهجات التى تسود حياة الإنسان فى شتى بقاع الأرض. فكلما تجوب الأرض تجد لهجات ولغات، وأنت غير مؤهل للتعامل معهم أو فهمهم، فكل لغة أو لهجة لها مقوماتها وأساسياتها، ويظل فيها الإنسان سنوات وسنوات كى يتعلمها، فالأرض التى نشأ فيها الإنسان صارت موطن فِهم له، لأنه يتعامل مع مجتمع يسير على نهج لغاته ولهجاته، فمثلا إذا انتقل عربى إلى دولة أعجمية فلم يتفاهم فيها معهم إلا بعد سنوات فى هذا الموطن حتى يسير منهم، والأعجمى كذلك إذا انتقل إلى دولة عربية فيحدث له كما يحدث للعربى.

ليست هناك تعليقات:

مقال بقلم/ فوزى اسماعيل

                                                      تحية لرجال كفر الشيخ مفتاح لسعيهم فى عمل الخير اقر وأعترف بأن رجال كفر الشيخ مفتاح...