طعام الغربان
وثبت الغربان تترقب حركة المصطافين على الشاطئ، وهم يلتهمون الأطعمة
بنهم، وكأن شهيتهم مفتوحه، ولأول مرة تستقبل أفواههم طعام كهذا، كانوا يترقبون
فراغهم من المكان بفارغ الصبر، لكى ينقضوا على بواقى وفُضل الأطعمة المتناثرة هنا
وهناك، سيظفرون اليوم بالأمنية التى ظلوا طويلا يحلمون بها، سيملئون بطونهم حتى
الشبع، بعد أن كانت خاوية ليوم كامل، أنهم ينتظرون اللحظة الفاصلة والحاسمة
لإلتهام وجبة شهية دسمة، بطونهم خاوية من الطعام، لكنهم يحذرون التقدم إلى الأطعمة
الملقاه على الأرض حتى لا يكون مصيرهم الطرد.
زاد عدد الغربان المرابض على أغصان الشجرة الوحيدة فى المنطقة، والتى
تطل على الشاطئ مباشرة، جميعهم جائع ينتظرون الوليمة التى تمنوها بارغ الصبر،
ينتظرون مرور الوقت إلى الغروب، لكى يتركوا المصطافين الشاطئ، ويعودون إلى ثكانتهم،
تاركين مخلفاتهم على الأرض، وقت الغروب لم يكن أحدا بالمكان، وقت الغروب سيكون
عيدا لهم، وهم ينعمون بمختلف الأطعمة، التيك واى، والمكرونة، والمحاشى، واللحوم
وما إلى ذلك.
كانت أعين الغربان تترقب أفواه البشر وهى تتلوء بمتنوعات الطعام
الشهى، وكأن كل غراب يتمنى أن يكون فى هذذه المكانة، يتمنى أن يكون من هؤلاء
البشر، لكى يأكل من هذه الأطعمة دون خوف، وكأن كل واحد منهم أيضا ينمر على قطعة
لحم لكى ينقض عليها وقت فروغ الشاطئ من المصطافين، حدثوا أنفسهم ليلتفوا حلقة
واحدة حول الشاطئ الممتد إلى تسعة كيلو مترات تقريبا، فإذا تركوا المصطافين الشاطئ
بالمخلفات التى تملئه سيكون وليمة شهيى لهم لم يشهدوها من قبل.
بدا الشاطئ مزدحما من المصطافين، وحرارة الشمس الحارقة تجعلهم يهربون
إلى الشماسى، كى يحتمون تحتها، حتى مرور ساعة الذروة، فيعودون إلى اللهو واللعب
حتى الغروب، ثم جعلت حرارة الشمس أيضا ينصب العرق على وجنتى الغربان، فبدأ القلق
عليهم، رغم كل هذا وهم يفضلون ألا يتركوا المكان، وألا يكلوا من الإنتظار، فكل هذا
يهون فى سبيل الإنقضاض على الوليمة الشهية التى ينتظرونها، بعد قليل ستعود كل
المصطافين إلى مبيتهم تاركين الشاطئ يعبثون فيه كما يشتهون، إنها وليمة زاخرة
بأشهى المؤكولات، ولا ينبغى ألا يتركوها.
بدا الوقت ملطفا بالجو الرطب قليلا، خصوصا بعد ما وصلت الساعة الخامسة
بعد العصر، فقام معظم المصطافين يلهون ويلعبون، والغربان مازالوا يترقبونهم فى
صمت، وكأن صبرهم قد نفذ من طول الإنتظار الذى دام ساعات طوال، فأرادوا الهجوم يدا
واحدة وليكن ما يكون، لكنهم تراجعوا عن الفكرة، خصوصا بعد ما قل عدد المصطافين على
الشاطئ، فانتظروا قليلا حتى يعود الباقين منهم إلى مبيتهم، لكى يفرغ الشاطئ منهم،
فلا يتعرض لهم أحدا، ويستطيعون الإنقضاض على الأطعمة وهم فى مأمن.
وبعد دقائق معدودة بدأ المصطافين فى الأنصراف من الشاطئ، مكتفين بهذا
القدر، ولم يتبقى أحدا منهم على طول الشاطئ، ففرحت الغربان عندما راؤهم يتسللون
واحدا تلو الآخر إلى غرفهم، وانفض الشاطئ بالفعل من البشر، ولم يتبقى إلا الأطعمة
المتناثرة هنا وهناك، فى الأكياس البلاستيك، والأطباق الملقاه على الأرض، وكأنها
مبثوثة لطيور جائعة، كانت أعين الغربان جاحظة، فانفرجت أساريرهم، وعندما هموا
بالإنقضاض فى اللحظة الحاسمة، اللحظة المصيرية التى أنتظروها من بداية اليوم، وجدوا
مشهدا لم يتوقعوه، وجدوا أعدادا هائلة من رجال النظافة يظهرون على طول الشاطئ، وكأنهم
كانوا مختبئين خلف أسوار لهذه اللحظة، قاموا الرجال بمعاولهم يزالون أكوام القمامة
وبقايا الأطعمة من كل مكان على الشاطئ لكى يكون نظيفا.
لم تتوقع الغربان هذا المشهد المهيب من الرجال الذى لم يكن فى
حسبانهم، لكن هل أنتظارهم طول هذه المدة والذى دام ساعات طوال فى هذا الجو شديد الحرارة
يذهب سُدى..؟
غضبت الغربان لما رأوه، لكنهم لم يفقدوا صوابهم، فقد قرروا أن ينالوا
من هذه الأطعمة كما كانوا يحلمون ويتمنون هذه اللحظة، وليكن ما يكون، فبعد دقائق
وجدوا الرجال يجمعون بقايا الأطعمة فى أكوام متراصية لحين وصول سيارات النظافة
لنقلها، وهذا ما يسهل للغربان أن يلتهموها بسهولة ويسر، وفاجأة أنقض كل من على
الشجرة فى لحظة واحدة على هذه الأكوام، وكأنهم جيش جرار آتى ليهزم عدوه، حتى صرعت
رجال النظافة من هبوط الغربان بهذه الكثافة، حتى فروا هاربين تاركين كل ما جمعوه
لهم لينعموا بوليمة دسمة، وبعد قليل عاد رجال النظافة لإستكمال عملهم بعد ما تركت
الغربان الشاطئ فلم يجدوا شيئا من هذا القبيل، وجدوا الشاطئ نظيفا ليس به قمامة،
فرجعوا إلى مقر عملهم يقصون على رؤسائهم ما حدث من الغربان، شاكرين الغربان على
مساعدتهم لهم .
ميت غزال فى 11 / 7 / 2021
(تمت بحمد الله وتوفيقه)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق