حكاية الغولة مع اهل القرية
تأليف
فوزى يوسف اسماعيل
كانت القرية جميلة
ومنسقة فى شوارعها ومبانيها وأهلها طيبون ، عرفوا بحبهم للكبير والصغير ، أتقياء
يحبون أداة فرائض العبادة على وقتها فى المساجد المنتشرة فى أرجاء القرية ، يعانون
بعضهم فى السراء والضراء حتى وصلوا الى هذة الحالة .
وكل من فيها من شيوخ
ورجال ونساء يحبون مساعدة الأخرين ، حتى الغريب عنهم يمدوا الية يد المساعدة ،
وظلوا على على هذا منذ نشأة القرية حتى صارت قرية نموذجية بين القرى والبلدان
المجاورة لها .
يصدون الظالم عنها
بالتكاتف مع بعضهم البعض ، حتى تكون القرية آمنه وفى يوم من الايام ، ظهرت الغوله
فيها ، وكانت الغوله ضخمه سوداء اللون مخيفة ، ترهب الناس بمطاردتهم .
فخافت الناس عند
سماعها هذا الخبر الذى فزع منه الكبير والصغير ، وقد خاف الجميع على اولادهم ،
لأنهم يعلمون أن الغولة تهدد البشر وتأكلهم وحدث ذعر بين الناس قبل ان تظهر بينهم
ويروها بأعينهم ، ولكن كان هذا أحد صيحات الأولاد الذين اتوا من عند ملعبهم يرددون
:
-
الغولة ظهرت فى البلد ...
-
الغولة ظهرت فى البلد ..
وهم يجوبون شوارع
وحارات القرية لتنبيه أهلها من الخطر القادم اليها ..
وكان كل رجل وامراءة
يأخذون اولادهم وحبسونهم فى منازلهم خوفا منها
وقد أجتمع كبار وشيوخ
اهل القرية فيما بينهم للترأى فى مواجهة الغوله وابعادوها عنهم ، أو محاولة قتلها
، ثم أسفر هذا الاجتماع على التكاتف مع بعضهم فى واجهاتها مهما تكن النتيجه
وبعد ساعات قليلة ظهرت
الغوله فى القرية بشحمها ولحمها وبشكلها المخيف المرعب ، وصارت وسط شوارع القرية
تنظر بعيونها الحمراء هنا وهناك ، حتى كادت الناس فى القرية يخافون مذعوين منها ،
فيجرون ويختبئون فى أى مكان يصادفهم حتى لا تراهم وتأكلهم
وقد وجدت الغوله نفسها
وحيدة فى القرية ، ولم تجد أحداًمن المارة، فعرفت أنها الاقوى ، لآنها جعلتهم
يختبئون ، وفرحت فى نفسها ولم تصدق
اشتد عليها الجوع
والعطش ، لانها لم تأكل ولا تشرب منذ الصباح الباكر وأرادت ان تأكل من تلك القرية
، ولكنها لم ترى أحدا حتى تأكله
وقفت الغولة تحدث
نفسها حتى تجد حلا لهذا الجوع الذى يداهمها
فقالت لنفسها :
-
سوف أختبأ فى أى مكان بعيدا عن أنظار اهل القرية ، وعند غروب الشمس وبعد أن
تطمئن الناس ، ويعتقد الجميع أنى خرجت من قريتهم أخرج وأنقض على أحدهم
هداها هذا التفكير
الذى سيخدع الجميع منهم ، وذهبت الى دار قديمه ليس بها سكن ، وجلست بجوار أحد
جدرانها ، ومرت دقائق ثم ساعات ، ومن شدة ألم الجوع غلبها النوم فنامت وارتكنت
بجسدها الضخم على الجدار ، ولم تشعر بما يدور من حولها
وبعد أن اطمئنت اهل
القرية بعدم وجود الغوله ، تجمعوا جميعا مرة ثانية ليجدوا حلا للخلاص منها نهائيا
، فاجتمع كبار القرية ليدلى كل منهم بفكرة أو رأى صائب حتى ينجحوا فى التصدى لها
إذا ظهرت مرة ثانية ، ولكى يعيشوا فى سلام وأمان كما كانوا .
مرت ساعات وهم فى هذا
الإجتماع الطارىء ، وأدلى كل منهم بفكرة ولكن اتفق الجميع على أن يتركوا القرية
بأكملها ويخرجون منها الى الصحراء الشاسعه ، فلا تجد الغوله أى انسان لتأكلة ثم
تموت من الجوع .
كان هذا الرأى صائباً
، وقد اتفق الجميع على تنفيذة ، وقام كل منهم بجمع أمتعتهم من مأكل ومشرب ، وكذلك
أقمشة من الخيش السميك ليصنعون منها الخيام لتقيهم شدة الحر وقرص برد الليل ، وحمل
اهل القرية ما يطيق حمله ، ليعينهم على المعيشه فى الخيام فى الصحراء عدة أيام
ربما قد تطول حتى تخرج الغوله .
ووصلوا جميعا الى
الصحراء التى كانت تبعد عن القرية بعدة أميال ، وتمركزوا فيها ، وقام الجميع بصنع
خيامهم ، واعداد الأماكن التى تأويهم من البرد القارص فى الليل .
وكانت الغوله ما زالت
نائمة فى نوم عميق ، ثم نزل البرد والصقيع على القرية الخاوية من أهلها ، فستيظت
من نومها وأحست بالجوع بمزق بطنها والعطش يشقق جفوها فلم تقدر على الوقوف ،
والظلام قد حل على القرية فجعلها دامه ، ولم ترى الغوله أمامها من شدة الجوع وكثرة
النوم ، وقفت ولم تعرف أين تسير يمينا أو شمالا فقالت لنفسها :
-
سأنزل القرية الآن وأكل منها حتى أشبع جوعى ، فأهلها الان مطمئنون أنى قد
خرجت منا للأبد ، ودون أن يشعروا سأنقض عليهم وهم فى غفله .
صدقت الغوله ما حدثها
غرورها ، وصارت ى اتجاه قلب القرية ، حتى تجد أحداً من اهلها ، أو تجد انسانا
صغيرا أو كبيراً ، ولكنها لم تجد أحداً من أهل القرية نهائيا ، وحدث القرية خاوية
من أهلها ، وهى ما زالت وحيدة لا أحد يمر فى أى من شوارعها أو حارتها ، وكذلك
بيوتهم خاوبة من سكانها .
اندهشت الغوله مما
تراه ولم تصدق نفسها ، ثم صارت فى اتجاه أخر على امل ان تجدأحد ولكنها لم تعثر على
أحد منهم ، زاد إندهاشها أكثر وأكثر ، ثم اقتربت من منازلهم بعد أن اعتقدت انهم
يكونون مختبئون فيها ، فلم تجد أحدا ايضا واستمرت على هذا الحال حتى يأست من متاعب
البحث ، وظلت هكذا طول الليل حتى أشرقت الشمس وطلع النهار ، فمزق الجوع بطنها ،
وقلت من حركتها ثم عجزت عن السير ، جلست على حجز ضخم ، وكان الحجر تلمس أمامه
امراءه عجوزه بمفردها وأنها الغوله ففرحت فى نفسها لأنها وجدت طعامها ، ولكنها قبل
أن تأكل اقتربت منها لتسألها عن سر عدم خوفها منها وهى الغوله التى يخاف منها
البشر ، كماحدث لأهل القرية
ردت المرأة العجوز
عليها بثبات وعدم خوف منها ، لانها لو أظهرت خوفها فتنقض عليها الغوله وتأكلها ..
قالت لها :
-
أنا لا أخاف منك .
تعجب الغوله من كلام
العجوز ، وقالت لنفسها :
-
ما السر الذى يجعل هذة المرأة على هذا الثبات ، لا بد وأن معها شيئا خطيرا
يجعلها بهذا الشكل .
قالت الغوله مسفسره :
-
وأى شىء يجعلك لا تخافين منى ... وأنا فى استطاعتى ان أكلك الأن .
قالت العجوز :
-
لآن معى شيئا لو عارفتيه لتموتى فى الحال .
أمسك الذعر قلب الغوله على الفور ، وخافت على حياتها ... وقبل أن تفصح
المراة العجوز على ما معها ، ايقنت الغولة ان هذا الشىء خطيرا كما اعتقدت ، وتراجعت
على عدم معرفته ، لأنها لا تريد لنفسها الهلاك .
كانت هذة خدعه من المرأة العجوز حتى تبعدها عنها ، وكانت الخدعه ناجحة ،
فقد رأت التوتر على وجه الغوله ، فتردات المرأة من تأكيدها مرات ومرات .
وكانت الغوله بين أمرين ، إما أن تعرف هذا الشىء وتهلك ، وإما ان تتركها
حفاظا على حياتها .
ترتها الغوله وابتعدت عنها ، لكنها تنظر بعينها الحمراويين بغضب شديد ،
لأنها كانت تريدها طعاما شهيا لها لتخفف من جوعها .
قامت المراة العجوز بعد ان اطمئنت أن الغوله قد اختبئت عن أنظارها ، ثم
ذهبت الى أهل القرية فى خيامهم التى فى الصحراء وحكت لهم عما فعلته مع الغولة .
وكانأهل القرية قد انتابهم الدهشة والذهول لأن هذة المراة العجوز استطاعت
ان تخدع الغوله القوية بهذة الطريقه ، واتفق الجميع ان يبتعوا طريقه هذة المرأة
،وكانوا قبل ان تصل اليهم المرأة العجوز ، قد اتفقوا على حفر خندق عميق فى وسط
الطريق الذى اتت منه الغوله
وعرشونه بأفرع الاشجارحتى تسقط فيه دون ان تشعر .
ثم لأنهم اتحدوا على ذلك وقاموا بالفعل فى حفرة ليلا وفى صباح اليوم التالى
، ظهر رجل من اهل القرية وقبل الغوله ، ففرحت به لأنها وجدت طعامها ، ولكن الرجل
قال مثل ما قالت المراة العجوز :
-
أنا معى شيئا اذا إطلعتى علية سيكون فية هلاكك الأن .. وصدقت الغوله كلام الرجل
، لانه مثل كلام المراة العجوز ، وتشتت عقلها فى التفكير عن سر هذا الشىء الذى
يكون فية هلاكها اذا عرفته .
-
ما هو هذا الشىء ؟!
-
هل هو خطير للغاية ؟ يستخدموه سلاح
ضدى !!
-
لابد وأن أبحث عن رجل أخر ، لا يعرف هذا الشىء وبعد لحظات ظهر رجل أخر ، ثم
اقتربت منه ، فقال مثل ما قال الرجل الذى قبله ، وتوالت نزول الرجال والنساء
والأطفال الى القرية ، وبينما كانت تقابل أحد منهم يقول لها ، معى شيئا إذا عرفتية
سيكون فيه هلاكك .
حتى انها استيأست الغوله ، وشعرت فى نفسها الخوف والذعر
، بعد ما وجدت أهل القرية جميعا لا يخافوها كما كان سابقا .
وبدأت تحدث نفسها عن
سر تلك الحاجة الخطيرة التى يملكونها كل أهل القرية ، حتى بدت متعبة من التفكير
والجوع معا ، فسارت فى الطريق الذى أتت منه أول مرة ، وهى لا تشعر ولا تبالى سقطت
فى الحفرة العميقة التى حفرها لها أهل القرية ، وكانوا متربصين بها ، فعند وقوعها
هجموا جميعا يداً واحدا على الحفرة بمعاولهم يردمونها بالطمى قبل ان تخرج .
وبذلك قد تخلصوا من
الغوله نهائيا التى كانت تهدد أمن القرية بخدعه الأم العجوزة