الأحد، 6 أكتوبر 2024

قصص قصيرة بقلم/ فوزى اسماعيل


بُعد 

رغم المسافة الطويلة بينهما ظل يحبها ويعشقها، هى أيضا تبادله نفس الإحساس، عندما ظهرت ميديا الهواتف فى إظهار ماوراء الكاميرا، كانت تلتقطه وهو أيضا من آن لأخر وكأنهما قريبان من بعضهما، ظلوا على هذا المنوال أشهر، بالمصادفة كانت كاميراتها مفتوحة، رأى الكارثة وهى تتدلل على غيره، فعلم أنها تخونه، أغلق هاتفه وتخلص منه.

                   *       *       *                  

زينة 

خرج عليهم بزينته، فوجد نفسه بين حشد كبير يطالبه بخدمتهم، فوافق ووعدهم حتى كاد حلقه يجضم من كثرة أقاويلة، أنتخبوه ونال غرضه، مر عام وراء عام ولم يزور الدائرة مرة واحدة، فقد شغله أعماله حتى أنقضت مدة البرلمان، عاد إلى وعوده مثل ما قال فى الدورة السابقة، أبتعد عنه العقلاء، أما المنتفعين فظلوا ينادون فى مالطا.

*       *       * 

تعـــود 

أعتاد أن ينظر إليها كل صباح من نافذته، قاده الشك بأنها ملزمة الفراش لشئ ما يمنعها من فتح النافذة اليوم، ظل واقفا مدة طويلة حتى تفتح النافذة فيراها، كما يراها يوميا، اليوم طال إنتظاره، بحث عنها بين فتحات النافذة التى كانت تفج بالنور، فاجأة أضاءت الأنوار، فتحت النافذة على مصرعيها، كانت أمها تهم بهذه المهمة فوجدها على مقعد متحرك.

*       *      * 

شعور

بادلها نفس الشعور، كان يبلغ من العمر أربعون سنه، وهى فى العشرون من عمرها، كانوا يهيمان سويا فى الحب عندما يتلاقيان كل شهر مرة، بحكم أنه يبعد عنها بمسافة طويلة، تركها مدة طويلة عندما ذهب إلى مأمورية، أحست بولع الحب مع شاب أخر فى سنها، رجع من المأمورية فوجدها تزف.

*       *      * 

أعتراف

أعترفت له بصدق حبها بعد ما جاء ليعاينها، فقد أتصلت به أمه هاتفيا لأنها وجدت ما يبحث عنها، كانت على قدر ضئيل من الجمال تملك عقار وبعض من المال فى البنوك، لكنها أخفت ذلك عنه لكى ترى مدى أعجابه بها، فوافق على ما قالته، وتزوجا، بعد أيام من زواجهما أعترفت له عن الحقيقة، فقهقه ضاحكا قائلا لها : لقد سألت عنك قبل أن يتم الزواج

*       *      *

 

الجمعة، 4 أكتوبر 2024

جزء من كتاب/ ثقافة الاختلاف وقبول الاخر تأليف/ فوزى اسماعيل

                                                            الطمع فى النفس البشرية

هناك أنواع عديدة للنفس البشرية، فمنها الطماعة ومنها القنوعة ومنها الغرورة ومنها الطيبة ومنها الشريرة، والمتشبعه والجحودة وغيرها وغيرها من الصفات الحميدة والخبيثة.
وإذا بحثنا فى كل منها أو عرفنا خصائص كل نوع من هذا لنجد الكثير من الأسرار والعجائب التى تبهر العين وتحير العقول.
والنفس البشرية متقلبة بطبيعتها تكره وتحب، وتنسى وتتذكر وهناك من تراها غاضبة ومن تراها فارحه ومستبشره، والطماعة وهو حديثنا عنها، هى من لا تمتلئ قناعة الإنسان بما يقسمه الله له، فهى ميوله للطمع والجشع دائما، فى حب السيطرة على مجريات الأمور، ومحاولة فرض الذات، فالطمع من أسوء رذائل الإنسان فتلصق به عند نظراته لما فى أيد غيره، لأن الطمع يجعل غرائز الإنسان تتجه إلى غرورة فى جمع المال مثلا، فلو كان للإنسان جبل من ذهب لتمنى الثانى، وأيضا هناك مقولة يعلمها الكثير، وهى الطمع يقل ما جمع، فطمع الإنسان للأشياء تجعل النظرة إليه شهوة وبعدها حقد وبعدها كراهية ونبذ الذات، ولم تهدأ غريزته إلا تملك هذا الشئ.
وهناك مقولة أخرى وهى : لا يملئ عين أبن آدم إلا التراب.
والطمع ليست صفة، ولكنه رذيلة سيئة عند الإنسان، فلا يخلوا لإنسان على وجه الأرض إلا وفيه غريزة الطمع،، ولم تزول هذه الرذيلة إلا بالقناعة، والطمع يطمث القلوب، وهو من بُعدّ عن الله عز وجل، فالطمع يكتسح قلب الإنسان لأن لا مكانة للضمير، فالضمير الحى يمنع غزيزة الطمع وأن تطغوا على أفعاله، لكن الطمع يطرد الرحمة من القلب، لأن الطمع والرحمة لا يجتمعان فى قلب البشر، فإذا وجدت الرحمة أو الضمير، لا تجد للطمع مكانا، وكأن الحسنات تطارد السيئات، فكم من طامع جمع مالا وعدده لكنه لم يفلح، وكم من مُطمع ذهبت ثرواته سُدى، مثلما حدث لقارون، جمع ثرواته ولما طلبوا منه الأنفاق قال أنه هو الذى جمع هذا المال، فقد نسى قدرة الله عليه، لذلك خسف به الله وبداره الأرض.
فالطمع عادة سيئة إذا أصيب بها الإنسان كان له وباءا فى حياته وفى معاملاته مع الآخرين، وكان منبوذا من رحمة الله.
فالنفس البشرية لا تخلوا من هذه الرذيلة السيئة، وكثيرا ما نراها الآن فى واقعنا الحاضر، نراها فى الأخ الأكبر الذى يريد السيطرة، نراها فى عائلات ترفض أن ترث الأنثى حتى ولو ملكوا مال قارون.
وعادة الطمع والجشع نراها أيضا فى كثير من الحياة المختلفة، نهيك عن تعامل السائقين بين بعضهم البعض، والصراع اليومى الدائر بين السائق والراكب، فى رفع الأجرة إجبارى، فى ركوب الزبائن دون العدد المحدد للسيارة، السطو على دور غيره، تحصيل الأموال عنوة من السيارات تحت التهديد، الإتاوات فى المواقف وخروج ودخول السيارات من المدينة، والكثير والكثير.
فكلما طمثت قلوبهم بالطمع والجهالة ازدادوا أكثر فى تفشيها بين الناس، بجهالة مفرطة، وملفته للنظر، إن الطمع داء هذا العصر، وداء خبيث يصعب التخلص منه، علينا وعلى كل البشر مهما اختلفت أجناسهم، وعلينا أن نتخلص منه بالطرق العلمية، والطرق الشرعية، بالرجوع إلى الله وإلى الصلاة وامتلاء المساجد بعمارها، والإسراع إلى اتباع نهج نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، واتجاه نيتنا إلى الله عز وجل فيزيل الطمع من قلوبنا.
فإذا ظهر الطمع بين الناس زالت رائحتهم، وإذا زال الطمع بين الناس كانت رائحتهم كرائحة المسك، فصفوا قلوبكم أولا من الضغينة تتخلصون من الطمع، ومن تخلص منه تعيشون بسلام، ومن لا يرضى بقضاء الله وقدره فيعيش عمره تعيسا إلى يوم الدين.
وإذا كان الطمع قد بدل الإنسان الذى بفطرته يسير على نهج الإسلام وتعاليمة إلى الطمع فى الأخرين، فلا يمكن أن يصف هذا الإنسان بالفضيلة، بل يصف بالرذيلة التى تؤهلة لمقعد فى النار، والطمع ليس من سمات المسلم الحق، فالمسلم الحق هو الذى يتخلص من هذا الداء كما يتخلص الثوب الأبيض من الدنس بالماء والبرد، فالقلب محله التقوى، ولا بد للإنسان أن يحب لأخيه كما يحب لنفسه.
وما أكثر الطماعون فى هذه الأيام ،فلو ملك أحدا جبل من ذهب لتمنى الثانى، وهذه الغريزة لا ينبغى لها أن تكون فى مسلم، لآن المسلم يعلم جيدا بأن القناعة كنزا لا يفنى كما أوضحنا سلفا، وأن الطمع يقل ما جمع، فلو كان الإنسان قنوع بما قدره الله له يكون من السعداء، لآن ماله وتجارته تنمى من حلال، فالله تعالى حثنا على السعى إلى الرزق الذى هو من حلال، حتى تعمر الأرض بالخيرات ولا يعمرها فسادا، فغريزة الطمع لا تجدى للإنسان بشئ، حتى أنه يكون من المنبوذين من أصدقائه وجيرانه وعشيرته.
لذلك فإن غريزة الطمع هى نقمة على الإنسان بالدرجة الأولى، فلما لا نقنع بما قدره الله لنا، وأن نكتسب من حلال.

السبت، 28 سبتمبر 2024

جزء من كتاب/ ثقافة الاختلاف وقبول الآخر.. تأليف/ فوزى اسماعيل

 

الحكمة :

من الصفات الكريمة، والمناقب الحميدة، التى أمرتنا شريعة الإسلام بالتحلى بها، وبالحرص عليها صفة الحكمة، التى معناها : أن يفعل الإنسان ما ينبغى على الوجه الذى يليق بهذا الفعل المناسب له وأن ينطق بالكلمة الطيبة.

فالإنسان الحكيم، هو الإنسان الذى يضع الأمور فى مواضعها الصحيحة، فهو يقدم إذا كان الأقدام عزما، ويحجم إذا كان الإحجام حزما، ولا يقول قولا ويندم عليه فى الغد، ولا يفعل فى حاضره فعلا، لا يرضى عنه فى مستقبل حياته.

وهدوا إلى الطيب من القول .. وأن يمتنع عن الحماقة والجهالة وسوء التصرف فى القول أو العمل.

عليك أيها العاقل أن تدعوا الناس إلى دين ربك وإلى إتباع شريعته بالقول المحكم الصحيح الموضح للحقن المزيل للباطل، الواقع فى النفس أجمل موقع.

وعليك أن تسلك مع بعضهم وهم الذين ينالون القسط الأوفر من العلم، أن تسلك دعوتك لهم، الموعظة الحسنة، عن طريق الأقوال المشتملة على العظات والعبر التى ترقق القلوب، وتهذب النفوس، وترغبهم فى الطاعة، وترهبهم من المعصية، بأسلوب يقنع العواطف والعقول.

وعليك أن تجادل المعاندين من الناس بالطريقة التى هى أحسن الطرق وأجملها، بأن تكون مجادلتك لهم مبينة على البراهين الساطعة، وعلى الأدلة التى تحق الحق وتبطل الباطل.

وبين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم .. إن الذين يستحقون أن يتمنى العاقل أن يكون منهم صنفان من الناس: أولهما : الذين يبذلون أموالهم لإعلاء كلمة الحق، وثانيهما : اللذين أعطاهم الله الحكمة، فقال صلى الله عليه وسلم : لا حسد إلا فى اثنتين :  رجل آتاه الله مالا فسلطه عليه هلكته فى الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضى بها ويعلمها.

الأربعاء، 25 سبتمبر 2024

قصة قصيرة / بقلم / فوزى اسماعيل

 

لغــة الــــــورد

فى الحديقة الصغيرة، فى حوض واحد، تجتمع الزهور والفل والياسمين الورد بأشكاله، الوقت ربيع والورود مزهزهة ومزدهرة، ترقص كرقص الطائر الرعاش الذى يتغذى على رحيقها،كل صباح، من ندرة أوراقها وزهورها الفواحة، يقوم على خدمتها جناينى هزيل الجسم، يعيش على جمع الورد بعد أن تنضج، ليبيعها فى الطرقات والمتنزهات للعشاق والمحبين، كان فى الصباح الباكر من كل يوم، حيث سكون الندى فوق أوراق الورود، يقوم بقطفها وجمعها لحين الذهاب بها إلى المتنزهات، فبنسقها فى سلة صغيرة معه.

سألت زهرة الفل الوردة، تحدثها بلغتها :

- ما فائدتك..!!

فقالت الوردة مبتسمة :

- أنا للعشاق أزيد أشتياقهم.

- أنا للأماكن الكريهه أغير رائحتها عطراً وجمالاً.

- أنا للمتخاصمين سبباً فى إصتلاحهم.

قال الفل :

- أما بالغصن أشواك يخافون العشاق قطفك.

ردت الوردة بإستحياء :

- ليس لدى إجابة.. فالإجابة عند الأشواك.

قال الشوك :

- أما أنا فلا أكون بالغصن من تلقاء نفسى.. ففائدتى أحمى الورد من عبث الأطفال والجُناة ومخربى الحدائق.

أقتنع الفل بواظيفة الشوك الذى يملأ غُصن الورد.

رد مُقنع.. وعمل مُنفع.

أما أنا عنقود الفل.. مادحا نفسه شعراً :

أنا للأحــــباب ينـــــــــــــــادونى

                                          ومن القلب للقلب يهــــــدونى

عنقود الفل أنا بماء الورد يرونى

                                          والعاشــــــقين والأحبة يغونى

فقالت الوردة فى عجاله :

- كفى كفى كفى عزيزى الفل.

                                             كفى مدحاً فى نفسك شعراً.

 

أنا الــــــــوردة أجــــــــــدد الأمــــل

                                            أنا للود القديم بعد الفـراق أشتمل

أنا الورد الأحمر دلالة على الحـــب

                                            لا أفــــرق قـلـــب  أراد قلــــــب

وأنا للحبيب والحبيبة أبعث لهم الأمل

                                            فأروى بمائى وأطفئ ولعة القلب

ثم قال الورد الأصفر :

وأنا الورد الأصفر للـــغيرة

                                            أجعـــــل المحـــبوبة أمــــــــيرة

 من بعد فـــراق وحــــــيرة

                                            وبين يد الأحبــــــاب أســــــيرة

وقالت الوردة البنفسج :

وأنا يهدونى للجمال الحــزين

                                            عشـــــق ولهفــــــة المحـــــبين

يهــــــادونى فـــى صمــــت

                                            فأتكلــــــم بلسـان العاشــــــقين

وقال الور

 أنا صفاء ونقاء القلـــــوب

                                             وراحة لبال الحبيب للمحبوب

قال الفل :

- ألا أتبعك يا ورده لكى أطلع على ما يُصنع بك العشاق.

قالت الوردة : 

- لك ما تريد يا فل.

جاء الجناينى عند بزوغ الفجر وجمع من الورد عنقوداً ومن الفل عنقوداً، ورص الورد فى سلة بعد ما تخلص من الشوك، وصارت الغصون ملساء حتى لا تجرح يد العاشقين..

وظل الجناينى ينادى للعشاق :

يا عشــــــاق الـــــــورد يناديكـــــم

                                            لغته بين الشـــــفـايف يشــــــــــديكم

يا غرام الشوق فى القلب قد أشتعل

                                            وبهداية الورد حـــــــبكم يكتمـــل

يا عشــــــاق الـــــــورد يناديكـــــم

جاءته إمرأة وأخذت منه مجموعة كبيرة من الورد.

قالت الوردة وهى تبكى :

- أخى الفل.. إننى حزينة.. أبكى ندماً على وجودى فى الحياة.

أستغرب الفل قائلاً :

 لماذا يا ورد حزين ..؟!

قال الورد :

- أخذتنى إمرأة ترتدى ملابس سوداء.. حزينة.. ليس بالفرح قد مس قلبها.. يبدوا أنها تضعنى على القبور.. يبدوا عزيزا لديها قد فارق الحياة.

قال الفل : 

- القبور .. ما فائدتك على القبور..؟

قالت الوردة :

أنا على القبور أناجــــــى الله

                                         لصاحــــب القـــبر الذى عصاه

أطلب له المغفــــرة من الألاه

                                         أن يغفـــــر له وبرحمته يتــولاه

أبتسم الفل قائلاً :

أحيك يا ورد على وجودك فى الحياة

                                        فإن لك فى الفرح والحزن منفعه

فأنت محظوظ حـتى مع العصـــــــاة

                                        وكـفـــــى لك عـنــد الله مشفــــعه

ويظل العشاق والموتى مؤدين لك التحية

                                          لك على طول الدهر مدينين لك بهدية

وحينئذ عرف الورد سر وجوده فى الحياة، مرحاً ومسروراً مستطرداً هيبته بين العشاق ومريدى القبور إن وجد.

اسكندرية فى 1988

 

الثلاثاء، 24 سبتمبر 2024

قناة السيناريست فوزى إسماعيل / سورة النساء وقصار الصور تلاوة الشيخ مصطفى...

قصة قصيرة.. يقلم/ فوزى اسماعيل

 

عيـــــدكم عيـــــدنا

أحتواهما بينهم،  فى الحى الراقى، كانت ماريا تسكن وسط حى مسلمون، وكانت هى الوحيدة وأبنتها نِعَم يسكنان بينهم، فأحسوا بالغربة، لا يستطيعون التحدث مع أحد، لكونهم مسيحيون، ولا يوجد فى الحى كنيسة أو دير من الأديرة يؤدون الصلوات الخاصة بهم فيها.

وجيرانها آمنة وزوجها عبد الله يبلغون من العمر الخمسين عاماً، يبدو عليهما الطيبة والسماحة، لكبر سنهما ولحبهما فعل الخيرات.

بدت ماريا تيأس من الحياة، الحياة التى لا طعم لها ولا رائحة، فهما يقطعان شوطاً طويلاً فى الوصول إلى أحد الأديرة لكى يؤدون صلاواتهم فيها يوم الأحد من كل أسبوع، أو أنهم يحضرون مناسبة أو عيد لهم بين أقرانهم.

أحسوا بالعزلة فى ذلك الحى الذى لا قريب لهم فيه، ولا حتى صديق حميم يترددون عليه، ويساعدهم على تلاشى تلك العزلة، حتى فكروا فى بيع منزلهم وترك الحى، لكى ينتقلوا إلى حى أخر يكون لهم فيه قريب من أهلهم أو ذاويهم.

عرضوا البيت للبيع، وكتبوا على بابه لافته للبيع ليشاهدها الجميع، وكان هذا قرارهم الأخير، إلا أن عبد الله وزوجته آمنة رأوا مآساة ماريا وأبنتها، وكأنهم كانوا غافلين عنهما، تقربوا من ماريا التى كانت فى بيتها قبل أن تتركه، وذهبوا إليهم فى زيارة، لم تصدق ماريا ولا أبنتها نفسهما، فهذه أول مرة تطأ قدم إنسان منزلهم، فمنذ عدة سنوات مضت ولم يزورهم أحد، مسلم أو مسيحى.

رحبوا بهما وقدموا لهما واجب الضيافة على أكمل وجه، دار بينهم حديث فى التعارف، فكان عبد الله يعرف حق الجار، وعليهم حق فهم أول الجار، والرسول صلى الله عليه وسلم وصى على سابع جار، فهذا حقهم على عبد الله وزوجته.

رحبت مارية بهذه الصداقة الجديدة، وتوطدت بينهما العلاقة جيداً بعد مرور بضعة أيام، فى نفس الوقت لم يتقدم أحد لشراء المنزل المعلن عنه البيع، رغم عرضه للبيع منذ شهرين كاملين، وكأن ماريا تصبح فى حياة أخرى، لم تقتنع بفكرة البيع، رغم ذهابها بعد أن تخلص منه إلى عالم آخر بجوار أقربائها،، وأصدقائها المسيحين، وأنها تعيش معهم فى أمن وأمان، ولكن أعتقدت بأن ستكون فى غربة لأنها بعيدة عنهم منذ زمن طويل وهى فى هذا الحى التى أحست من أهلها بالأمن والأمان، وقفت محيرة، تبيع المنزل أو تبقى عليه، خصوصاً بعد ما وجدت ضالتها، وجدت أصدقاء كانت تبحث عنهم من قبل، لا يعنيها أنهم مسلمون أو مسيحيون، فالدين لله والوطن للجميع، أنها الآن وجدت الأصدقاء فهل بعد أنتقالها فى مكان آخر ستجد ما وجدته من صديقاتها الجديدة التى تعرفت عليها، أم هناك عالم آخر، حتى ولو على دينها، فى هذا المكان عاشت فيه سنوات وكانت بعيدة عن أهلها وأقاربها، رغم مشقتها فى الوصول إلى الدير التى تقيم فيه صلواتها.

غيرت صديقتها الجديدة مسارها، بعد أن صممت على الرحيل، فهى الآن بين أمرين، إما البقاء وإما الذهاب إلى عالم آخر، عالم جديد لأنها بعيدة عن الأديرة، وجدت أمنة التى بادلتها الزيارات من لحظة التعارف، وكأن ماريا صارت لها شقيقة حميمة كانت غائبة عنها فعادت بعد سنوات، وكأن أيضاً ماء المحاياه رجعت لها فزهزهت الدنيا أمام عينيها مرة أخرى بعد يآس مزق قلبها، وبعد عزلة دامت لسنوات جعلتها فى وحدة موحشة.

أخيرا أستقر بها الرآى بأنها تبقى ولا تغادر منزلها، فتوطدت العلاقة بينها وبين آمنة، وصاروا عضواً واحداً يشد بعضه البعض، وبدأ التعارف أيضاً على جيران جدد عدما رأوا آمنة تودها، فقد أجتمع نساء الحى لكى يرحبوا بها صديقة جديدة، وهذا ما قوى عزيمتها وأصبحت واحدة منهم.

جاء عيد المسلمون، وتعاون الجميع على صناعة الكعك، وطهى الأطعمة، وأجتمع أهل الحى على ذلك، فجذبوها النسوة لتعمل معهم، وقامت من فوزرها لتساعدهم على ذلك، وندمجت معهم كأنها مسلمة وكأنما أيضا نست أنها قبطية، ولكن التعاون الذى بينهم أنساها ذلك، فهمت بصناعة الكعك معهم يداً بيد، وكانت فرحة عارمة للم الشمل المسلم مع المسيحى كأنهما جسداً واحدا.ً

وبدت ماريا وأبنتها نِعَم من أهل الحى، فلا أحسوا بغربة أو أضطهاد من أحد.

بعد أسابيع جاء عيد ماريا، وهو عيد الغطس الذى تحتفل به المسحين كل عام، كمثل عيد المسلمين، فقاموا أهل الحى جميعهم بتهنئة ماريا وابنتها، لكنهم لا يعرفون طقوس عيدهم، حتى قامت ماريا بشرع الأحتفال به، حتى شاركوها الإحتفال بحب وود وسكينة، كما شاركت ماريا عيد المسلمون، وبعد أن أدت الصلوات الخاصة بها فى الدير الذى يبعد عنها عادت إلى الحى الذى أستقبلوها بالأفراح والزينات.

وتبادلوا الأفراح وقامت أهل الحى بتهنئتها وعاشوا سويا أحباب كأنهم أسرة واحدة.

 

ميت غزال فى 10/2/2023   

مقال بقلم/ فوزى اسماعيل

                                                      تحية لرجال كفر الشيخ مفتاح لسعيهم فى عمل الخير اقر وأعترف بأن رجال كفر الشيخ مفتاح...