الأمير
والصياد
تأليف
فوزى يوسف اسماعيل
كان أمير المدينه
ظالما ومستبدا ، لا يرى الا نفسه واصلاح قصرة فقط ، وكانت أهل المدينه فقراء يعملون
فى حرف بسيطة مثل الصيد وصنع الشبك وحرف يدوية ، ليجدوا قوت يومهم ، والامير كان
يفرض أتاوه على التجار تدفع للقصر .
رزقه الله ببنت وحيدة
أسمها قمر لكنها كانت صماء بكماء بلغت من العمر ثمانى عشره سنه .. حزن عليها
الامير حزنا شديا ، وقد عمل المستحيل لعلاجها ولكن دون جدوى .. فكان يستدعى
الاطباء من كل الاقطار ليحضروا الى القصر ويقومون بعلاجها يقدمون لها الوصفات
والاعشاب على أمل ان تشفيها ..
لم يهدأ الامير فكان
يبعث برسائل الى الامراء والملوك لإرسال الاطباء الى قصرة .. حتى كان يوم يأتى الى
القصر عدداً من الاطباء المهرة لكنهم عجزوا على فعل شىء .. لكن أهل المدينه كانت
غاضبه من معاملتة ومن حكمه وفرضه الاتاوة والمبالغ التى يدفعونها دون وجه حق ..
وقمر بنت الامير كانت
جميله ذو شعر أشقر ووجه حسن لا ترضى على أفعال أبيها ، لأنه قدملىء السجون بأهل
المدينه الضعفاء الذين لا ذنب لهم ..
لم يبقى للأمير الا
وأن يرسل منادى فى المدينه يبلغهم عن جائزة لمن يقوم باشفاء إبنته ، ومن لم لا
يستطيع سيكون عقابه الاعدام .
ودار المنادىبين أرجاء
المدينه يجوب شوارعها وحارتها ..
-
من يستطيع أشفاء ابنه الامير يحصل على جائزة كبيرة ..
-
ومن لا يستطيع اشفاءها سيكون عقابه الاعدام ..
وكانت الناس خصوصا التجار الذين يملكون تجارة اعشاب وعقاقير يشتاقون
ليكونوا من اصحاب هذة الجائزة .. ودخلوا معاملهم يعدون دواءاً لبنت الامير ..
وحملوا جميعا عقاقيرهم ودواءهم متجيهن الى قصر الامير يقدمون الدواء
ويتسابقون للحصول على الجائزة التى اعلن عنها الامير ..
وانتظر الأمير لمعرفة النتيجه ، ولكن جاءت النتيجه سلبية ، فغضب الامير
منهم غضبا شديدا وأمر حراسه بسجنهم جميعا فى سجن القصر .. وبعد أن يأس الأمير من
اشفاء ابنته الوحيدة ، أغلق على نفسه باب القصر وأراد أن يفضل وحيدا لا يدخل عليه
أحدا ، حتى أنه أمر حراسة بقتل أى أحد من الناس يقتحم عليه خلوته .. وظل هكذا عشرة
أيام ، حتى كادت الناس التى تكون لهم مظلمه يغضبون من كثرة ترددهم على القصر دون
أن يقابلوه ..
وكان كبير الحراس ما زال يجمع الاتاوات من أهل المدينه من التجار
والمزارعين وعامة الشعب ..
كان الشيخ صالح رجل صالح تقى بين الناس ، يعرف بالفضيله ومساعدة الاخرين من
الناس ، لم يرضى عن افعال الامير المستبدة ، وفى نفس الوقت يعرف علاج ابنته ، لكنه
خاف أن يقترب من القصر ليكون مصيرة القتل أوالسجن ..
وفى ذات ليله جلس الشيخ صالح يفكر فى أمر قمر التى لاذنب لها ، وأراد
مساعدتها .. ذهب الى قصر الامير ، فقابلوه الحراس وقبضوا عليه حتى ينفذوا فيه حكم
الامير .. وتركوه حتى الصباح فى سجن منفرد وحيدا ، كان الشيخ صالح يصلى فى سجنه
ليفك الله كربه ، ويدعوا الله لأنه لا يقصد الا الخير ..
وبعد ليله عصيبه مرت عليه ، أخذوة الى المكان المخصص للإعدام ، وقبل أن
ينفذوا فيه الحكم ، أراد مقابله الامير لكى يدله على شفاء ابنته ، فأسرع الى
الامير حارس من حراسة وحكى له عن حكاية الشيخ ، فأمرهم باحضاره اليه ..
وأحضروه اليه فى الحال بعدما فكوا قيدة ..
ثم سأله الامير بتلهف شديد :
-
أين شفاء إبنتى ؟!
-
هل معك هذا الدواء ؟!
-
هل هذا الدواء سريع المفعول ؟!
نظر الية الشيخ وكأنه يلومه ، لأنه يعلم أنه لا شفاء لأبنته الا بعد اصلاح
القلوب والعفو عن أهل المدينه المحتجزين عندة فى سجونه دون مبرر ..
خاف الامير من نظرات الشيخ التى كانت تهاجمه ..
وقال فى نفسة :
لا بد وأن هذا الشيخ يملك قوة إلاهيه ، لأننى شعرت بقشعريرة تهز جسدى ..
وعلى الفور فك أسره وأجلسه بجانبه يقدم له العذر على ما فعلوه معه حراسه ..
ثم طلب الشيخ الصالح أن يدخل على ابنته ، لكى يراها ويباركها .. وقد حقق له
الامير طلبه فطلب من وصيفته أن تصحبه اليها فى جناحها .
ولما دخل عليها القى عليها السلام ..
وكأنما قمر ابنه الامير تريد أن ترد عليه السلام ، لكنها لا تستطيع ، فهى
بكماء صماء .. وكانت لا تستيطع الرد ولا السمع ، حتى أنها قد شاهدت سماحة وجه الشيخ
والنور الذى يظهر عليه .
خرج الشيخ الى الامير وقال له :
-
شفاء ابنتك فى قلب سمكه كبيرة .. قلبها ذهبى ..
لم يفهم الامير ماذا
يقصده الشيخ من قلبها ذهبى ، لكنه أراد منه أن يوضح له أكثر .. فقال الشيخ الصالح ..
ان شفاء الحاله التى تعانى منها ابنتك فى قلب سمكه غير موجودة الا فى البحر الكبير
حينئذ فهم الامير ما
يقوله الشيخ الصالح ، وعلى الفور كلف حراسه بالبحث عن هذة السمكة التى قلبها ذهبى
عند صيادين المدينه .. وكانوا الصادين يرجعون من صيدهم فى البحر الكبير الذى يبعد
عن المدينه بقليل ، وكان الوقت حينئذ قد اقترب من غروب الشمس ..
هاجموا الحراس صيادا
فقيرا وأخذوا منه السمكه التى اصتادها ، وكانت هذة السمكه هى حصيله تعبه يوما
كاملا ..
وهذا الصياد اسمه (
بدران ) رجل كبير قد بلغه الشيخوخه ، فأخذوا منه السمكه بعفوانيه ، لانه لا يقدر
على مواجهتهم ..
وقد رجع الصياد الى
بيته غاضبا من حراس أمير المدينه الذين استولوا على السمكة التى اصطادها .
وكان لهذا الصياد ولد
أسمة " نور الدين " كان شابا نافعا متفتحا الأذهان وزوجه كبيرة تسعى على
قضاء متطباتهم فى البيت ..
عمل نور الدين على
تخفيف معاناة أبية ، لا يملكون الا الصبر على البلاء ..
وطلب من ابيه ان ينتهى
من هذا الصيد ؛ لانه كبر واصابه الارهاق والتعب حتى يذهب هو للصيد وياتى بطعامهم
..
وصلوا الجنود بالسمكة
الى الامير ؛ ففرح بها كثيرا عسى ان يجد فيها ما قاله الشيخ الصالح ؛ واقترب منها
وامسكها فكان جزاءه ضربه بشوكاتها فجرح فى يده جرح غائر ..
غضب الامير غضبا شديدا
واستدعى طبيب القصر ؛ وقام بعلاجه ؛ لكنه لم يتعظ بما حدث له ؛ فامر الحراس باحضار
الصياد وصاحب هذه السمكة وعليهم باحضاره الى القصر ..
وفعلوا الحراس بما
امرهم الامير واخذوا الصياد من بين اسرته وهو لم يفعل شيئا ..
فى هذا الوقت كان
الشيخ الصالح قد عفا عنه الامير ؛ فترك المدينة وهاجر منها الى مدينة اخرى ؛ ولم
يترك قمر بنت الامير فكان يأتيها فى منامها ويطلب منها ان يعفوا ابيها الامير عن
اهل المدينة الابرياء ..
ولكن قمر لا تستطيع ان
تطلب من ابيها ذلك .. ولكن كان الامل يراوغها بان الفرج سياتى عن قريب ..
وقف الصياد بين يدى
الامير يطلب منه العفو لانه ليس له ذنب فيما حدث له من هذه السمكة ..
ولكن الامير لا يقبل
له عذر ؛ فحكم عليه بالاعدام امام عامة الشعب ؛ ترى قمر ذلك ولم تتكلم لكنها تدمع
بدموع منهمرة ؛ خصوصا بعدما جاءها الشيخ الصالح كل ليله فى منامها ..
وعرف الامير ان نبؤت
هذا الشيخ كاذبه ؛ فاراد ان يعاقبة جزاءا على كذبه ؛ وطلب من كبير الحراس بالبحث
عنه فى المدينة واضاره اليه وكان بحثهم دون جدوى ؛ لانه ترك المدينة كلها ولم يبقى
فيها ..
اراد نورالدين ان يذهب
الى الامير حتى يطلب منه العفو عن ابيه البريئ ؛ ولكن امه خافت عليه ومنعته من عدم
الذهاب الى القصر ؛ حتى لا يكون مصيره كمصير ابيه .. واصر على ذلك مهما تكون
النتيجة ؛ لكنه بعد بكاء امه تراجع عن هذه الفكرة ؛ لانه وحيدها وهو سندها بعدما
سجن ابيها .
طلع نورالدين الى
البحر الكبير يحمل على ظهرة شبكة الصيد لكى ياتى بسمكة طعام له ولامه التى اصابها
المرض فى عينها على بكاء زوجها بدران وجلس نورالدين حزينا لا يفكر الا فى ابيه وما
يصفه الامير اتجاهه ..
وعند غروب الشمس شد
الشباك من البحر ليرى ما رزقه الله به من اسماك فوجد بها سمكة ثقيلة غريبة الشكل لونها
يميل الى لون البحر ؛ اخذها وفرح بها ثم عاد الى بيته ؛ ثم اعطاها لامه لتقوم
بتجهيزها ؛ وعندما فتحت بطنها وجدت شيئا غريبا فيها ؛ على الفور نادت نورالدين الذى
كان منجضعا على وسادته بعد عناء يوم طويل ؛ فحضر اليها الى الفور ووجد قلب السمكة
الذهبى ..
قال لامه :
-
هذا شئ عجيب لم اجده فى اى سمكة منذ عشرين عاما ..
طرق الشيخ الصالح الباب ؛ ففتح له نور الدين ؛ وقد وجد على وجهه النور
والبياض ثم قال له الشيخ :
-
هذا دليل براءة ابيك .. وشفاء قمر ابنة الامير ..
واختفى الشيخ الصالح
فجاة .. فاخذ نور الدين السمكة وذهب الى قصر الامير ليقدمها الى قمر .. وقد اخرج
بطنها الذهبى وقدموه اليها ؛ وبعد ان اكلت منه .. سمعت وتكلمت قائلة : الحمد لله
..
لم يترك الامير
نورالدين واقام فى القصر الافراح والليالى الملاح اربعون يوما ثم اتجه الامير نحو
نورالدين قائلا :
- تمنى على وسانفذ
طلبك فى الحال ..
قال نورالدين :
-
العفو عن ابى الصياد ؛ واهل المدينة المحتجزون عندك فى سجون القصر ..
ففعل الامير ذلك وحقق
طلبه ؛ حتى طلب من حراسة عدم اخذ الاتاوات من تجار المدينة كلها ؛ وكان بين الناس
محبوبا ؛ وتجمعت اهل المدينة للمشاركة فى الاحتفالات ..
ثم اعلن الامير امامهم
جميعا مزواج قمر من نورالدين ؛ وكانت له مفاجاة مدوية لا يصدق فيها نفسه .. وعاشت
المدينة كلها فى بهجة وفرح وسرور ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق