الخبرة..وحلم الوظيفة
حصلت مؤخرا على
المؤهل الدراسى..بعد عناء شاق فى المذاكرة..سواء كان فى الثانوية العامة..بعبع
العائلات كمايسمونها..اوفى كليتى التى كنت
ادرس فيها..وهى كلية التجارة
بعدها عرفت اننى مقبل
على حياة جديدة وهى حياة العمل ومعاناة البحث عن وظيفة.وكان
من الطبيعى ان اخرج
للبحث عن وظيفة..تتناسب مع المؤهل الدراسى..كانت امى تعمل تحت البهائم التى عندنا
فى منزلنا الريفى..فهى ترعاهم وتقوم على خدمتهم..نظرت اليها فوجدتها تشقى فى العمل
المتواصل على خدمتهم..وما كان ان اهم بالعمل مكانها حتى تخلد للراحة بضع
ساعات..تلك هى مهمتى بعد ان نلت الشهادة الجامعية التى كنت اتمناها ..
واحلم بها..وعلى
الفور خلعت خلجاتى وعلقتها على مسمار من فوق باب الزريبة الخشبى
لانشف مكان
الماشية..فكان عندنا اربعة رؤس..ثلاث من الجاموس وواحدة من البقر..
امسكت بالفأس العريض
لاجر الرث من تحتهم..حتى انظفها تماما..وعندما انتهيت منها
امسكت امى بالفأس
لتجذبها منى..لانها تأبى على ان ادخل الزريبة..واذابها تقول لى :هذا
المكان ليس
مكانك..كانت تحلم ان ترانى فى مكانة عالية مثل التى تراهم يعمل من اجل ان
يعلو و يعلو..ثم يصبح
فى مكانة مرموقة بين الناس..
قلت لها يأسا:
اين العمل ياأمى؟
ردت على بإشفاق:
البحث عن الوظيفة
ياولدى..فأنت تتمناك اى شركة بمجرد تقديمك اوراقك اليها.
ابتسمت فى نفسى لاننى
كنت اصدق امى فى كل شىء..ولكن هذة المرة لم احس بالصدق
فى قلبى هذة المرة
..لاننى اعلم جيدا اننى لم احصل على وظيفة بهذة السهولة..فى ظل
هذة البطالة
المتفاقمة ..وفى ظل الخبرة التى يطلبونها..ثلاث سنوات وخمس سنوات وربما
تمتد الى عشرة
..والوساطة التى تفتح لصاحبها طاقة القدر ان وجدت..من اين لى بالخبرة
والوساطة وانا مازلت
متخرجا من الجامعة هذا العام ..واين لى بالوساطة ونحن فقراء واكبر ما فى عائلتنا
مدرس فى المرحلة الابتدائية ..وجدت امى فى عينى اليأس..فبثت فى نفسى التفائل وعدم
اليأس..
خرجت فى اليوم التالى
لابحث عن وظيفة فى احدى الشركات الكبرى ..وكأننى اخترق
الحديد الفولاذ
..فعندما كنت اذهب لاطلب عملا اجد طلب الخبرة نصب عينى ماثلا فى الشروط المطلوبة
..فأرجع الى كما كنت يأسا..ثم اذهب لاخرى اجد نفس الشروط كررت
ذلك فى عدة شركات
اخرى مرات ومرات ..وكان هذا الرد واحد لايتغير..
اشتريت بعض الصحف
التى تملأ صفحاتها الداخلية بوظائف شاغرة لعلى اجد فيها طلبى
وتصفحتها وقرأت
العمود الخاص بالوظائف الخالية فوجدت هذا الشرط تحت كل وظيفة..
لابد من وجود سنوات
خبرة فأتراجع وتنكسر همتى وطموحاتى فى البحث عن وظيفة ثانية..لم اجد ما افعلة وانا
ارى كل الابواب مغلقة امام عينى ..فى تلك اللحظة تحطمت امالى ووقفت عاجزا على فعل
اى شىء ..فما كان منى ان استسلم للواقع المحتوم وارضى عن ذلك.
فكرت فى امى وهى
مازالت تعمل تحت البهائم ..وهى لاتحسسنى بأنها لا تحتاج الى فى العمل معها حتى لا
اترك البحث عن الوظيفة واعود للعمل فى فلاحة الارض..لكنى وجدت العمل فى ارضى هو
المستقبل والخبرة التى اكتسبها فى وقت بسيط وقد اكتسبتها
بالفعل عنما كنت ارى
ابى يعمل فى الارض قبل وفاتة..حتى امى فقد اكتسبت من الارض
الخبرة الكافية..لان
الخبرة فى هذا المجال بالذات لايحتاج الى دراسات..وماهو الاسهلا للغاية يكتسبها
المرء فى مدة قصيرة ..لاتتطلب شهادة جامعية ..لانها تكتسب بالفطرة فبعد تفكير عميق
قررت ان اساعدها فى اعمالها .
وفى اليوم التالى
استيقظت على الحقيقة التى لامفر منها ..وهى الحل الوحيد.
التى ستحل لى المشكلة
.. أسرعت الى امى وجدتها تجر الحرث من تحت البهائم كعادتها كل صباح .. فامسكت من
يدها الفأس .
وقلت لها :
-
هذا دورى يا امى .. اتركى لى الفأس.
أعتطنى
الفأس والدموع تملاء عينيها .. لانها علمت ان البحث عن وظيفة هذه الايام من
النوادر .. وكانت فكرة البحث عن وظيفة بالنسبة لى قد تلاشت تماما من ذاكرتى بعد ما
شعرت باحباط ومعاناه وكسر الذات فى عدم وجود وظيفة .. فحاولت ان اثبت لامى بخبرتى
ان اجعل الارض تجنى لى ذهبا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق