الخميس، 22 أغسطس 2019

قصة قصيرة / فنجان قهوة / بقلم : فوزى إسماعيل

فنجان قهوة

جلست احتسى فنجان القهوة المضبوط المعتاد مع قراءة الصحف والمجلات فى حديقة منزلى وقت العصارى .عندما انتهى من عملى واشغالى فى الشئون الاجتماعية تعودت ان اجلس مع نفسى فى هذا الوقت وسط الحديقة المتناسقة بالاشجار المنزرعة فى الاحواض بعناية ، وكنت دائما اتابع اخبار العالم من خلال هذه الصحف التى تصلنى كل يوم من بائع الجرائد الذى بجوار منزلى..كنت اشمئز عندما اقرأالحوادث التى تملأ صفحات الجرائد وتطالعنا بها وسائل الاعلام المرئى والسمعى كالطفح الجلدى الذى يصيب ساق
الرجال ،وقد قضيت وقتا طويلا فى قراءة الاخبار الدسمة،حتى اننى اكتشفت ان فنجانى قد فرغ من القهوة،وضعتة فارغا امامى على المنضدة،وسمعت صوتا لامراءة هزيلة كبيرة فى السن تنادى على انها تضرب الودع وتقرأ الطالع،وضعت الجريدة من يدى واصتنت اليها بتمعن وهى مازالت تنادى لتلفت اليها الانظار..اندهشت من قولها التى تؤكدها بشدة ..
واستجبت لأغواء النداء رغم اننى اعرف ان هذا دجلا وشعوذة فناديتها من خلف الباب الحديدى الذى يتوسط سور الحديقة اردت ان ارىشيئا لم اعهدة من قبل ليس الا..وانا اعرف تماما المعرفة ان الشعوذة هى من المحرمات..جاءتنى تسير ببطىء بعدما دفعت الباب ودخلت،وجدتها امراءة ضامرة هزيلة يملأ وجهها تجاعيد الشيخوخة وتعب الزمن ..
شاحبة سوداء قاحطة تحمل على رأسها مقطفا من الخوص بة قليلا من الرمل وحبات الزلط واصداف البحر.
جلست من امامى تنظر الى بعيون ذابلة،وقد افترشت المنديل ووضعت علية الرمل وحبات الزلط تعبث بهم بأصابعها المرتعشة توهمنى انها تضرب الودع..كنت اراها بدهشة صامتة متحجرة فى نفسى كنت راغبا فى سماع الحكايات التى ترويها تلك المرأة من هذا النوع ..
قالت بتؤدة:
انك لا مفر من موت محقق..
انزعجت وكدت اموت  فى جلدى ،وتجمدت الدموع فى عيناى غير قادرة على النزول ..كنت اود ان اسمع اخبارا تسر،وكنت اريد ان اعرف الطريق المنشود الذى تنتظرة نفسى فى الايام القادمة.
استردت المرأة كلامها وأكدت لى بلحظة موتى التى تفاجأنى وأنا مستقلا سيارة او قطار اوطائرة او باخرة،كل هذة الاشياء سيكون موتى محققا فى اى منها..نزلت كلماتها على صدرى كالثلج، خيل لى ان قلبى قد انكسر وحياتى قد اقترب منها الهلاك المؤكد.
مدت المرأة يدها واخذت فنجان القهوة الفارغ من على المنضدة وحاولت ان تقرأمافية عساة ان يبشر بالخير،ولكن وجدت نفس الرؤيا التى رأتها فى ضرب الرمل،وضعتة فى مكانة دون ان تبوح لى بمارأتة حتى لاتزيد من أعباء أثقالى..
قامت متثاقلة..لمحتنى وأنا مازلت مثبتا على مقعدى شارد الزهن فى التأمل لبعض الكلمات ..
ارادت ان تنسحب بهدوء،لمحتنى وأنا امد يدى فى سروالى لأعطيها بعضا من النقود،لكنها لا تهتم بى،تركتنى وخرجت من سور الحديقة فى صمت بعدما لملمت حاجاتها فى المقطف وحملتة على رأسها..وأنا مازلت غارقا فى نبؤة قارئة الفنجان،تسلل اليأس الى قلبى،لم استقل سيارة اوقطار اوطائرة اوباخرة بعد اليوم،رغم انشغالى المتواصل فى العمل فى شركاتى ومشاريعى فى الداخل والخارج،فكيف اسافر بعد هذة النبؤة المشئومة .
قلت لنفسى:
ليتنى ماناديتها..ليتها لم تبوح لى بمستقبلى..ليتها.......... ليتها..............
هواجس من الاسئلة طرءت على ذهنى..وكاد يصل بى التفكير الى ذروة الانفجار.
وبعد ان مضى وقتا طويلا فى التفكير،سمعت نداء الحق ينطلق من فوق المأذنة،طرد وساوس الشيطان وجعلت اقرأ صورة الاخلاص مائة مرة ونهضت على الفور متوجها الى المسجد القريب منا،فتوضئت وصليت ركعتان وصعد الامام الى المنبر ليخطب بالمصلين خطبة الجمعة ..جلست اسمع الخطبة بشغف وكأن الامام يقرأ وجهى العاثر.
وكان موضوع الخطبة عن الدجل والشعوذة..
الامام:
ايها الناس كذب المنجمون ولوصدفوا..اطردوا من عقولكم هواجس وخرافات ووساوس الشيطان ، أنه من يعلم الغيب الا الله..
هذه الكلمات الموجزة قد جعلتنى اتنبه الى انا الغيب لا يعلمه الا الله وليست هذه المراة الكاذبة.
بعد انتهاء الخطبة حصلت على قدر كبير من الموعظة ، وجلست بجوار الامام ،بعد انا انفض المسجد من المصلين ، وحكيت له عما حدث مت تلك المراة التى اتتنى على غير عادة ، وبشرتنى بالبشرى السوء ، ربت على كتفى يطمأنى ، مرتلا بعض الايات القرانية التى تدل على ان الله وحده هو القادر والمتحكم فى امر الانسان .. تنهدت تنهيدة جعلت صدرى يخرج منه الاوهام والوساوس ، واسنتدت ظهرى للحائط لا اكف عن ذكر الله ، ودفعنى الامام بان اقوم واسافر الى حيث اشاء لاجد كذب المراة المنجمة التى لا تملك الا الاقاويل ، حتى تحصل على بعض المال ..قمت من امامه كالريح الى مكان لا احدده واندفعت واستقليت سيارة دون خوف او اهتزاز من نبوءة المراة ، وصارت بى السيارة وانا لا ادرى اين اذهب ..نبهنى السائق بعد ما وجدنى لا اطلب النزول فى اى محطة ، اخيرا نزلت من السيارة امام محطة القطار وانا متوجها اليه سمعت صوتا مدويا استدرت اليه لاجد مصدر هذا الصوت ، وجدت السيارة التى كنت استقلها قد ارتطمت فى سيارة اخرى .
  قلت لنفسى :
- لولا كنت مازلت فبها لاعتقدت ان نبوءة المراة المنجمة صادقة.
 حمدت الله على نجاتى واستكملت سيرى الى القطار وركبته حتى ارجع الى منزلى وبعد ساعة من السير المتواصل وصلت اخيرا الى منزلى فى امان الله .
وبعد مرور عام وفى نفس الميعاد ، جلست احتسى القهوة كعادتى وجدت المراة تعود بندائها مرة ثانية ، ناديتها فجاءتنى على استحياء تقول لى وقد تغير بها الزمن :
- ان ضاربة الودع ماهى الا شيطانة.. يحركها شيطان.. فيصدقها شيطان .


                                                                              






ليست هناك تعليقات:

مقال بقلم/ فوزى اسماعيل

                                                      تحية لرجال كفر الشيخ مفتاح لسعيهم فى عمل الخير اقر وأعترف بأن رجال كفر الشيخ مفتاح...